بين مشروبات تهواها القلوب.. وأسعار تخشاها الجيوب!

اعتاد السوريون على بدء صباحاتهم اللطيفة على صوت فيروز العذب المرافق لفنجان قهوة يحتسى بهدوء بصحبة من نحب، لينعش معه حواسنا ويدعونا لإكمال نهارنا بنشاط يشوبه بعد بضع ساعات تعب وإرهاق نعمل على نسيانها برشف كوب من الشاي الأحمر الساخن، في محاولة لمتابعة يومنا بشكل أفضل، قبل أن نجتمع مع العائلة أو الأصحاب لتناول المتة التي تجعل للأحاديث المختلفة متعة مضافة، تلك الأحاديث التي تعرف بدايتها وتجهل نهايتها ليختم هذا النهار الطويل بفنجان قهوة آخر يكمل جمال المساء ويخفف من تعب يوم انقضى.

فالمشروبات الساخنة بالنسبة للسوريين حاجة دائمة، فلا يحلو الصباح إلا بالقهوة، ولا يطيب الإفطار إلا مع الشاي، وحسب فن الضيافة السوري يبدأ إكرام الضيف منذ قدومه بكأس من الشاي، وينتقل إلى الحلويات اللذيذة والفاكهة الشهية، ولا تكون زيارة (محسوبة) إلا إن انتهت بفنجان قهوة يُغلى على نار هادئة.

ولكن اليوم، بعد أن طرق غلاء الأسعار أبواب السوريين، اختلفت الأحوال وبات التقنين والاقتصاد بالنفقات هو العنوان، فشطبت اللحمة من قائمة المشتريات وتربع الدجاج على عرش سفرة المناسبات والاحتفالات، واجتاحت الخضروات موائد كل الوجبات، وحتى حسن الضيافة أصابه بعض التقشف والتقتير واقتصر على الشاي والقهوة في أغلب الأحيان، ليس من شح وبخل بل بسبب استعار الأسعار وانتشار عدوى الارتفاع بين كل المستلزمات. ورغم ذلك حافظت القهوة على مكانتها مترئسة قائمة الأولويات بجانب الشاي والمتة، ولم يهز عرشها ارتفاع شاهق للدولار ولا انخفاض قاس في قيمة الليرة السورية، غير أن هذه المشروبات لم تسلم من تذمر المواطنين من أسعارها المرتفعة باستمرار، فباتت تشكل عبئاً لا مناص منه، فهي ترتفع مع كل زيادة في الأسعار ولكنها تأبى أن تنخفض كغيرها من المشتريات.

فالمشروبات الساخنة بمختلف أنواعها ضرورة لا يمكن أن يمتنع الناس عنها، لهذا تجدهم يتحملون ثمنها المرتفع، فكيلو البن من النوع الجيد تخطى ٤٠٠٠ ليرة سورية، أما النوع الممتاز المضاف إليه نسبه من الهال فهو أغلى بكثير، كذلك حال  الشاي الذي أصبح سعره يتراوح بين ٤-٥ آلاف حسب نوعه، في حين أن المتة ماتزال الأكثر عرضة لتحكم بعض المحتكرين الذين استغلوا الطلب الكبير عليها فوصل سعر العبوة الواحدة إلى  ١٠٠٠ل.س في ظل أزمة انقطاعها بسبب احتكارها (وكانت قبل الأزمة لا تتجاوز 35 ليرة)، ورغم ذلك الارتفاع الكبير إلا أن الناس لم ينفكوا عن استهلاكها حتى أنهم لم يحاولوا أن يخففوا من حجم الإنفاق عليها، ولكن هل سيستمر الحال هكذا أم أن الاستهلاك المتواصل لها وهي بهذا السعر المرتفع المرافق لارتفاع باقي المستلزمات سيرغم الناس على ضغط استهلاكهم لها وتقنينه، ومن المستحيل أن نفكر حتى بأن الناس قد يتحولون إلى اختيار بدائل، فهذا أمر غير وارد لانعدام البديل الأفضل الذي يسد مكانة هذه المشروبات في قلوب الناس. فإن جرب البعض تقليل شرب القهوة والشاي إلى الحد الأدنى أو حتى محاولة إلغائها من عاداتهم فمن غير المعقول أن يكتفي بتقديم كأس ماء فقط للضيف أو تطبيق ما تتداوله صفحات التواصل الاجتماعي من باب السخرية على الغلاء وتقديم الضيافة للزائر (خرج ناشف).

فبالنسبة للسوريين يعد شرب كل من المتة والقهوة والشاي أفضل طقس في اليوم وأجمل عادة فتجدهم متعلقين بها أشد تعلق، لدرجة أنهم عبروا عن حبهم للقهوة والشاي بشتى الأشكال من إدراجها بأشعارهم إلى أغانيهم ورسائل عشاقهم، فكانت المرافق لأوقات أحزانهم وأفراحهم، وكانت الوسيلة الأمثل لتجاهل آلامهم وتخفيف ثقل همومهم، وطريقة مميزة لإطالة الجلسات الممتعة والسعيدة برفقة الأحباب وأجمل طريقة لتبديد شبح ساعات الوحدة المملة، فالواقع يشير إلى اختلاف وتغير عادات كثير من السوريين وخصوصاً في هذه الحرب المدمرة، ولكن إلى متى ستتمكن هذه المشروبات الساخنة الشهية من المحافظة على مكانتها وحظها الكبيرين في قلوب الجميع؟!

العدد 1107 - 22/5/2024