حكاية الرجل العجوز الواقف في طابور الخبز!

عند الساعة السادسة صباحاً، توكأ الرجل العجوز، وذهب إلى الفرن. أخبروه أن الازدحام شديد، وأنه سيتعب ريثما يأتي دوره، فهز رأسه، وضحك ثم مضى إلى هدفه!

في الطابور كان ثمة كثيرون قد سبقوه ووقفوا ينتظرون الدور، فراح يحكي لهم حكاية الطوابير، يحكي ويلهث، لكن حديثه كان آسراً وجذاباً، وكان الجميع ينصتون إليه، أولئك الذين قبله وأولئك الذين بعده بالطابور.

قال العجوز:

أيام الأتراك في حرب (الأربطعش)، كان السوريون يقفون في الطابور. وقفوا في الطابور من أجل الخبز، ومن أجل تسليم المحصول لجيش (العصملي)، ومن أجل تسليم أنفسهم للسلطات التركية التي جندت كل قادر على حمل السلاح لتحارب الألمان، لكن السوريين كانوا يحبون بعضهم، وكانوا يحترمون بعضهم، وكانوا يخيفون الأتراك بتضامنهم ووحدتهم.

مشى طابور الخبز عدة خطوات، فمشى العجوز معه، ثم ارتاح قليلاً، واستأنف حديثه:

أيام الفرنسيين.. وقف السوريون في الطوابير عندما حاصرت سلطات الاستعمار مدنهم وقراهم، لأنهم أيدوا ثورة سلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وحسن الخراط وإبراهيم هنانو.. كانوا بحاجة إلى الطحين والخبز، وحتى إلى الماء أحياناً.. وكانوا متكاتفين ويحبون بعضهم وكانوا يخيفون الفرنسيين بتضامنهم ووحدتهم.

مشى طابور الخبز عدة خطوات، فمشى العجوز معه، ثم ارتاح قليلاً، واستأنف حديثه:

عندما قامت الحرب العالمية الثانية.. لم يعد هناك خبز ولا طحين ولا طابور.. كان الفرنسيون والألمان يتصورون أن السوريين سيأكل بعضهم بعضاً، لكن السوريين تضامنوا وتعاونوا وأوصل بعضهم الخبز لبعضهم الآخر، فأخافوا الفرنسيين والألمان والإنكليز بتضامنهم ووحدتهم.

مشى طابور الخبز عدة خطوات، فمشى العجوز معه، ثم ارتاح قليلاً، واستأنف حديثه:

بعد الاستقلال وقفنا بالطابور كثيراً أثناء حرب فلسطين، وأيام الانقلابات، وأيام الانفصال، وكنا نحب بعضنا بعضاً.

مشى طابور الخبز عدة خطوات، فمشى العجوز معه، وكان متعباً ومع ذلك استأنف حديثه:

في حرب حزيران عام ،1967 وفي حرب تشرين، وفي كل الأزمات وقفنا في الطابور، والآن نقف في الطابور، ومازلنا نحب بعضنا بعضاً، يجب أن نحب بعضنا بعضاً.. ضروري أن نحب بعضنا بعضاً!

جاء دوره بعد ساعتين.. فسأله بائع الخبز:

  كم ربطة خبز تريد ياحاج:

فقال: واحدة يا بني.. واحدة تكفيني.. ألله يحميك ويحمي سورية ويديم هذه النعمة!

فبكى كل من في الطابور!

العدد 1105 - 01/5/2024