السوري… وهو يجلس على ضفة نهر بردى!

وأنت تدخل إلى دمشق من جهاتها الأربع، تواجهك الحقيقة دفعة واحدة، فأنت في مدينة التاريخ، والتاريخ صورة حضارة، وأنت أمام إنسان سوري هو نموذج في التعاطي مع وطنه، لكنه بسيط طيب يحلم بطيوف حكايات يحبها.

 من هنا تستقبلك ساحة الأمويين، أتعرفون ساحة الأمويين؟!

في ساحة الأمويين مجموعة من الطرق تذهب إلى كل الجهات، لكن طريق ميسلون أكثر الطرق أهمية في حياة السوريين: في ميسلون رسم السوريون على تلالها معالم نهج أرّق الغرب والمستعمرين طويلاً، فحتى لو كان السوريون يحملون الورد والياسمين ويشتغلون ليل نهار من أجل مدارس أطفالهم وقوت عيالهم.. حتى في تلك اللحظة يرفضون المحتل. يقاومونه مهما كلف الثمن!

 والجنرال غورو رغم أنه كان واثقاً من اجتياح السوريين الجاثمين على التلة بعزة نفس ووطنية عالية.. الجنرال غورو لم ينم بعد دخول دمشق لأسبوع كامل، كان يستيقظ بخوف وقد عرف أن السوريين سيخرجونه مع قواته ولو بعد حين.

وخرجت فرنسا بعد حين!

 من الجهة المقابلة تستقبلك ساحة العباسيين، ومنها تذهب إلى حمص وحماة وحلب واللاذقية وطرطوس ، وخلف كل تلة وواد في تلك السهول الممتدة وعلى تلك الجبال المترامية يمكن أن نتعرف على حكاية من حكايات التضحية التي سجلها أجدادنا السوريون، فهنا معركة مرج دابق، وهنا معركة كاف الجاع، وهنا معركة وادي بيت ياشوط، وهنا معركة أرواد..

انهار الغزاة على شواطئ سورية ألف مرة وتشتت المغول والهكسوس والفرنجة ومن معهم من فرسان الهيكل وتراجعوا، وعند مفارق طرق حمصية يربض جسد خالد بن الوليد، وما في جسده ضربة رمح أو طعنة سيف إلا وتشهد على العزة والإباء والكرامة!

 ومن جهة الجنوب، يمكنك أن تفتح سجل الثورة السورية كلها، وتتعرف في بيت سلطان باشا الأطرش على ميثاق الثوار الذين تعاهدوا على مقاومة المستعمرين، ويمكنك أن تذهب إلى درعا ووادي اليرموك لتسمع الرواة وهم يحكون عن واحدة من أهم معارك التاريخ العربي.

 تشعل الجهات على الخريطة وهج بلد لم تهن عزيمته عبر أحقاب التاريخ، ويعرف الزمن حكاية سورية، ينقلها من جيل إلى جيل، ومن كتاب إلى كتاب، ومن صورة إلى صورة، لنكتشف في نهاية الأمر أن الحكاية تبدأ وتنتهي مع حقيقة الإنسان السوري الخالدة.. إنه إنسان حقيقي بسيط ومضياف وطيب، ولكنه لا يستكين أمام الغزاة!

 وأنت تدخل إلى دمشق من جهاتها الأربع، تواجهك أصالة مدينة تزرع الورد والياسمين، وتزين بيوتها بالبحيرات والنوافير.. تشم في هوائها رائحة النارنج والكباد، وتقطف من غوطتها الجارنك والمشمش، وتحاول سريعا أن تجمع بساطاً وإبريق شاي وأكلاً طيباً لتجلس على ضفة من ضفاف نهر بردى، ولكنك يجب أن لاتنسى أن السوري لايستكين حتى لو جلس على ضفة نهر مع أسرته!

العدد 1105 - 01/5/2024