المذيع الأول مهران يوسف… ينعى نفسه قبل الأوان!

تعرفتُ عليه قبل أكثر من ربع قرن.. كنا في كونترول الأخبار المصورة في التلفزيون العربي السوري في الطابق الأرضي، وكان هو من قرأ نشرة الأخبار، فاحتج على وضع صورة جريس نيريري بدلاً من صورة بوكاسا، والاثنان زعيمان إفريقيان معروفان. ولكنه تدارك الأمر، قائلاً: (أنا حشري، فمن هو الذي يفرق هذا من ذاك)؟!

وضحكنا.. فمهران يوسف كان ساخراً لايتوانى عن انتقاد من حوله إذا أخطأ، فقد كان قوي الشخصية معروفاً بنجوميته وثقافته وروحه المرحة. وكان يقرأ الأخبار، ويقدم البرامج وينتشي سعادة بتقديم برامج المسابقات. لكن الزمن مرّ سريعاً، ولم ينسَ الناس أن مهران يوسف قد عاش أكثر من خمسين سنة كإعلامي مخضرم!

حصل ذلك قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، وكنا في تعزية بوفاة والدة أحد الأصدقاء في دار المسنين، فإذا به يدخل رافع الرأس، متهالك الجسد، ليقوم بواجب العزاء. لفت أنظار الحاضرين بدخوله، فقد ظل نجماً رغم أنه لم يعد يظهر على الشاشة!

جلسنا حوله، وفي روحه التي تجددت سريعاً حكايات لا تنتهي عن مبنى الإذاعة والتلفزيون الذي أعلن ذات مرة أنه لا يستطيع أن يعيش خارجه أبداً.. تماماً كما هي حال السمك عندما يخرج من الماء!

عاش مهران يوسف زمناً قليلاً خارج التلفزيون، ويساوي هذا الزمن نسبياً الفترة التي يبقى فيها السمك حياً بعد خروجه من الماء، وسألناه: ماذا فعلت بك الأيام؟ أين أنت يارجل؟!

قال مهران يوسف: لم يعد لي أحد في هذا العالم.. لقد قتل الإرهاب أختي وزوجها وأولادهما دفعة واحدة!

وسريعاً وجه لنا سؤالاً مقصوداً: أنتم تعرفون من هو زوج أختي؟ وأجاب: إنه واحد من أهم العلماء السوريين في مركز البحوث العلمية!

ولم يكن أحد منا قد ذهب لتعزيته!

سأل مهران يوسف: عالم سوري لا علاقة له بشيء…لماذا يقتلونه؟!

ولكي لايشغلنا أكثر.. قال، وهو ينهض ليمشي لأن سيارة الأجرة تنتظره: تعبت فعلاً! ينبغي أن أذهب!

ولم نكن نقرأ معنى آخر للكلمات التي قالها، فقد ذهب مهران يوسف فعلاً، لأنه مات بعد عدة أشهر!

العدد 1105 - 01/5/2024