آخر طيور الهضبة الأسيرة!

كلما وصلتُ إلى القنيطرة أو إلى أي أرض تشرف على هضبة الجولان المحتلة انتابتني مشاعر غريبة تكاد تدفعني للبكاء. وأنتم تعرفون جيداً أن البكاء حالة استثنائية، لايمكن أن يقوم الإنسان بها إلا في أقصى حالات القهر أو الحزن، وخاصة إذا كان مثلنا عركته الأيام فأصبح يشابه الحجر!

نعم..!

إذا كنتَ وطنياً، إذا كنت سورياً، فلا يمكنك أن تكبت مشاعرك وأنت ترنو إلى هضبة الجولان الغالية. مرة.. صعدت إلى مئذنة مسجد معروف هدمه الإسرائيليون في القنيطرة، وقفت في أعلاها ورحت أتفرج على الدمار الذي حل بالمدينة وعلى حواجز العبور إلى الهضبة.. وفجأة لاحت لي أسراب من الطيور تذهب من طرف إلى طرف.. راقبتها.

كانت تذهب وتعود ولا تهتم بأحد!

هل فعل أحدكم شيئاً من هذا القبيل فراقب أسراب الطيور. إنها تشعر أن السماء لها، ملكها.. تذهب فيها شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، فكيف هي الأرض التي تعيش عليها!

تحوّلتُ إلى طائر، وقلت: لابد أن أذهب هذه المرة إلى الجولان!

هل جرب أحدكم أن يذهب إلى الجولان بهذه الطريقة التي تعلمتها من الطيور؟

أنا جربت الذهاب إلى الجولان!

لم يقف أحد في وجهي!

لا حواجز قوات الفصل الدولية التي تراقب الطرفين، ولا جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولا الأسلاك الشائكة التي تمنع الحركة بين الجانبين!

كان الفضاء شاسعاً واسعاً بحجم الحلم الذي شعرت به! وكانت الطيور ترنو إليّ بعينين خائفتين، وتسأل:

 ما الذي سيحل بهذا السوري الذي يطير نحو الجولان ؟!

استعدت مشاهد الحروب التي شهدتها هضبة الجولان. استعدت معاني الغزوات التي تعرضت لها الأرض السورية من جهة الجنوب.. ووصلت إلى حربين:

هاهي ذي حرب حزيران عام 1967، القوات الإسرائيلية تحطم معالم القنيطرة وتدمر المساجد والكنائس والبيوت والمستشفيات.. هاهم أولاء الجنود السوريون يدافعون عن أرض سورية بعزة وكرامة.

كان المشهد حزيناً ومعبراً بآن واحد.. وكانت هضبة الجولان قطعة من الروح يقاتل الإسرائيليون  للاستيلاء عليها.

هاهي ذي  حرب تشرين عام 1973، القوات الإسرائيلية تتراجع.. القوات السورية تتقدم تريد استعادة حق مسلوب!

هاهم أولاء الجنود الإسرائيليون يتقهقرون باتجاه فلسطين.

كنت أشاهدهم من فوق.. تماماً مثل الطيور.. لم أكن أخافهم.

تمنيت أن يستمر الحلم، فأتحول إلى طائر يذهب إلى الجولان ويعود!

العدد 1105 - 01/5/2024