متحف الفنان أحمد المفتي!

عندما ظهرت محطة (نور الشام) الفضائية، وبدأت تبث برامجها، عرفت سريعاً أن الفنان المتعدد أحمد المفتي كان وراء الأفكار الفنية التي راحت تظهر عليها. فقد اعتمدت برامجها  الخط العربي هوية لها، علماً أن قسم الخط في التلفزيون العربي السوري وهو من الأقسام القديمة فيها انقرض وضاع في زحمة من انقرض وضاع مع دخول التقنيات الحديثة إلى صناعة التلفزيون، وظهور موجة الكسالى من مخرجي الموجة الجديدة!

ومن يعرف أحمد المفتي لا يتردد في إطراء فنونه المتعددة، بدءاً من الخط العربي إلى الغرافيك إلى التاريخ إلى الشعر إلى اللغة العربية، وصولاً إلى ابتكارات لايتحدث هو عنها بين مجموعة ما قدمه وما عرف عنه على الصعد الأخرى. فأحمد المفتي يطبخ في متحفه الصغير القريب من ساحة النجمة واحدة من أشهر طبخات الخط العربي، وهي خلطة  حبر الورد الشامي التي يفوح  منها عبق التاريخ الخالد وفنونه الرائعة!

وعندما سعيت للتعرف على هذه الخلطة السحرية، اعتقدت أن المسألة لاتعدو (كمشة) من أوراق الورد، يضعها في الماء ثم يغليها، ثم تصبح حبراً، فإذا الشام نبض في دمه، وإذا وردها  وتاريخها وأمكنتها وذاكرتها جزء من تكوينه العقلي الساحر، وهو يرجع الفن إلى أهله ويترك كل المتطفلين عليه يسقطون سريعاً!

في تلك الخلطة تتمات لا نعرفها، ومن تلك التتمات أنه يصنع عجينة ورق من ورد الشام لا تضاهيها كل أوراق العالم، وعلى الورق المستخلص منها يضع لبنة فنه، فلا يسبقه أحد إليه!

يخرج من بيته في حي الشعلان باكراً، وعلى جفنيه بقايا الوسن الدمشقي الذي يميز أهل الشام وهم يداعبون صباحات حاراتها وصباياها وشوارعها وأسواقها بمشاوير أقل مايقال فيها إنها صورة حياة!

وعندما يصل إلى متحفه القريب من ساحة النجمة، يشرع في صناعة نهار جديد من الفن، فينسج على الورق تصاميم خط من روح الحكاية، ويعزف على القصائد ترانيم شعر يحفظها أو يكتبها، فيخلطها غير عابئ بأن تضيع في زحمة المدن وصخبها القادم مع ساعات النهار.

وفي متحفه كتب وألبومات ولوحات بكر لا يعرفها إلا المقربون منه، وفي متحفه محبرة الورد الشامي وريشة تاريخ عظيم، وفي متحفه أيضاً حكايات إبداعات قديمة لايعرف الناس أنها له.

يدخل أحمد المفتي عالمنا كضيف فنان، فإذا هو يمسك بيدنا سريعاً إلى عالمه كساحر مبدع من سحرة الصورة والخط واللوحة والأشعار.

ترى من فكّر يوماً  بتوثيق الذاكرة الفنية لأحمد المفتي؟ سواء بكتاب، أو بفيلم وثائقي، أو حتى بفيلم تنتجه المؤسسة العامة للسينما بين تلك الأفلام التي تقدمها عن الشام، فتقدمه صورةً للفن الخالد في بلادنا؟

العدد 1105 - 01/5/2024