هوية الكرم والكرامة والشجاعة: الخبز السوري!

عندما تصل إلى خارج حدود بلدك سورية، فاسأل عن الخبز أولاً، ثم دع السبحة تدحرج حباتها، لتتعرف على بقية الأشياء.

لايهم ما الذي ستحدثك عنه حبات السبحة، ولايهم ما الذي سيجعلك تتوقف عن المقارنة، فقصة الخبز هي قصة أخرى، أقل ما فيها أنها تحمي السوري من المذلة.. هذا ما ستصل إليه، وأنت خارج سورية!

لا يعرف أحد أهمية نمط الحياة في سورية إلا إذا غادرها.. وعندما تغادرها تجد نفسك تقارن الأشياء بعضها ببعض حكماً.. فتقارن طعم الماء الذي تشربه بطعم الماء في بلدك، وتقارن حديث الناس بحديث أهلك، وتقارن الملابس والأبنية والمقاهي والنساء، بملابس بلدك وأبنيته ومقاهيه ونسائه.

ولكنك تجد نفسك دائماً، ودون أي تردد، أمام المقارنة الكبرى، وهي مقارنة الخبز بين بلدك والبلد الذي أنت فيه، وخاصة عندما تعرف طعم الخبز من تنانير الجبال الطيبة، أو في تنانير القرى السورية في كل مكان من أرض سورية، أو في أفران خبز المشروح الدمشقية!

عندما تغادر سورية، تزوّدْ بقطعة من الخبز.. ضعها في جيبك، ولا تخجل، احفظها بين طيات النقود التي تحملها سواء كانت من الدولار أو اليورو أو حتى من الليرة السورية، لا لكي تكون أشبه ب(بركة) لك، تحميك من السقوط في مرض التماهي مع الآخر، بل لكي تتذكر!

عندما تأكل الخبز السوري خارج سورية تشعر بعدة أحاسيس دفعة واحدة، أولها: أن الخبز السوري أطيب، فهو قمح وملح وماء، أي هو طعم الأرض التي جئت منها، قمحها وملحها وماؤها.

وثانيها، أن رائحة الخبز السوري هي رائحة أحاسيسك كلها، لأنه ممزوج بكل الطيب والمحبة الموجودة في بلادنا.

وثالثها: أنه أرخص من كل خبز العالم، فربطة الخبز في سورية بخمس عشرة ليرة سورية، وفي دولة شقيقة مجاورة تعادل بالسوري مئة وخمساً وستين ليرة سورية فقط، أي أن السند الحقيقي لكل سوري مهما ادلهم الخطب هو الخبز السوري نفسه!

السوريون اليوم، بإمكانهم الحديث عن كل التضخم في كل شيء من حولهم نتيجة الأزمة التي تعيشها البلاد، لكنهم لايستطيعون المساس بهوية خبزهم حتى ولو ازدادت الطوابير أمام الأفران، أو تراجعت نوعية الخميرة التي كانت تمزج فيه.. الخبز السوري محصن بشيء اسمه الوطن، لايمكن لأحد المساس به، لقد أصبح الخبز السوري هوية!

يربط بين السوريين ألف رابط، ومن بينها: الخبز، ومن كان الرابط بينه وبين أخيه هو الخبز، فعليه أن يقف في طابور الحوار لاطابور الأزمات.. ألا لعنة الله على من ينسى الخبز والملح بين السوريين الذين يعرفهم العالم بالكرم والشجاعة والكرامة!

العدد 1105 - 01/5/2024