جذور الإرهاب

الإرهاب هو اصطلاح بمعنى صفة لمن يلجأ إلى ارتكاب أعمال عنف ذات طابع عدواني ضد المجتمع، وعلى ذلك فإن الإرهابي هو كل شخص يعتمد أعمال العنف أسلوباً لتحقيق أهداف معينة.

 أما ولكنسون فيعرِّف الإرهاب على أنه نتاج العنف والتطرف الذي يُرتكب من أجل الوصول إلى أهداف سياسية معينة يضحّى من أجلها بكل المعتقدات الإنسانية والأخلاقية.

وفي التاريخ الحديث تلصق تهمة الإرهاب والعنف والتطرف بالإسلام والعرب، ويجنِّد الإعلام الغربي أبواقه لترويج تلك الفريّة، وتتبارى الدول الغربية في عقد المؤتمرات والندوات التي تناقش ظاهرة الإرهاب العالمي، زاعمة أنه ذو أصول إسلامية، فهي تستغل بعض الحوادث الفردية لإثبات الاتهام المزعوم. وتتجاهل عين الإعلام الغربي، وأحياناً العربي، المتطرفين الحقيقيين ممّن توارثوا عقيدة العنف وجسّد تاريخهم وحاضرهم أبشع صور الإرهاب، واحتشدت وثائقهم بالعبارات والأقوال التي تثبت انتهاجهم لإيديولوجية منحازة.

وبناء على ذلك فإن الإرهاب لم يكن اختراعاً عربياً، كما هو في نظر الحركة الصهيونية والغرب.

القرائن التاريخية للإرهاب

يذكر أنه خلال الثورة الفرنسية كان العنف السياسي على أوسع نطاق، عندما تمكّن روبسبير وزمرته من قطع أربعين ألف رأس بواسطة المقصلة، واعتقال ثلاثمئة ألف آخرين وسجنهم، وكانت بداية ظهور مصطلح الإرهاب. بعد تنفيذ حكم الإعدام فرّ روبسبير الذي كانت تتسم مدة حكمة بالرهبة، وقد كان إعدامه فيما بعد حدثاً مهماً في تاريخ الثورة الفرنسية، وقد أدى ذلك إلى نشوء كلمة (الإرهاب) التي أطلقها خصوم روبسبير على الحكم في عهده.

ونذكر على سبيل المثال الجريمة المرعبة التي دبرها ونفذها الإرهابي دو روفيقو، على قبيلة جزائرية بريئة، وطبقاً لتعليمات هذا الإرهابي خرجت كتيبة فرنسية من الجزائر العاصمة ليلة 16 نيسان عام 1832 وداهمت في الفجر قبيلة العوفية وهي نائمة في خيامها، وذُبح كل أفراد القبيلة وبيع ما عدّه الإرهابيون غنيمة لقنصل الدانمارك، وما بقي من تلك المجزرة المرعبة عرض للبيع في سوق باب عزون بالجزائر العاصمة، وكان يظهر في هذا المنظر الفظيع أساور النساء معلقة في معاصم مقطوعة وأقراط آذان ملتصقة بأشلاء اللحم.

كما أقدمت فرنسا عام 1956 على اختطاف طائرة مدنية ترفع العلم المغربي، وعلى متنها خمسة من قادة الثورة الجزائرية بينهم أحمد بن بيلا، في طريقهم إلى تونس لحضور مؤتمر يشترك فيه ممثلون عن السلطة الفرنسية، للبحث عن حل للقضية الجزائرية.

وقد تبعتها أمريكا فاختطفت أربعين طائرة كوبية ما بين عامي 1960 و1964، ثم تبع ذلك ما قام به الصهاينة من تدمير لمطار بيروت عام 1968.

لقد كان هؤلاء القراصنة أول من غذى فتيل الإرهاب وأشعل ناره في العصر الحديث. صار واضحاً أن هذه الحملة الإعلامية الشرسة تمارس إهمالاً متعمداً أو كاملاً لكل صور التطرف من أصحاب التطرف والإرهاب ومخترعيه، كتطرف الصرب في البوسنة وذبحهم لآلاف الأبرياء، والمجازر التي ارتكبها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني والعربي، بدءاً من مذبحة دير ياسين والسموع وقبية ومذبحة مدرسة بحر البقر في مصر وقانا في الجنوب اللبناني، وإن مذبحة مخيمي صبرا وشاتيلا لاتزال ماثلة في الأذهان، فهل يشار إلى الصرب بأنهم إرهابيون؟ وإلى الصهاينة أنهم قتلة ومجرمون وإرهابيون، وأن قائمة إجرامهم لا تنتهي وهي قائمة عصية على النسيان؟

نعم لقد تعمد الإعلام الغربي والصهاينة أن يهملوا عن عمد ممارساتهم الوحشية ضد الإنسان، وإمعاناً في التعبئة العدوانية، فقد مارس الصهاينة الكثير من العمليات الإجرامية والعدوانية، تمشياً مع الروح العدوانية التي تغذيها النصوص التوراتية والتلمودية، وتعبئتها الفكرة الصهيونية التي تحمل في ثناياها كل مسوغات العدوان والإرهاب، وتتمحور حول الزعم بأن خلاص اليهود يكمن في هجرتهم إلى فلسطين واغتصابها، وإقامة وطنهم القومي فيها على حساب شعبها العربي وحقوقه. وليس لدى الحركة الصهيونية ما تقوله لأتباعها سوى الأفكار التي تستهدف تعبئتهم تعبئة عدوانية، وتقول لهم بأنهم مكروهون ومهددون بالإبادة وليس لهم من سبيل للدفاع عن أنفسهم سوى قتل الآخرين والاعتداء على حقوقهم وسلبها.

وعلى الرغم من براءة العرب والإسلام من تهمة التطرف والإرهاب، فإننا لا نمنح براءة من هذا السلوك الوحشي الذي تمارسه (داعش) الدخيلة والغريبة، فإن كل ما فعلته سكاكينهم بالشعب السوري هو إرهاب وإرهاب موصوف، على الرغم من المأزق الذي وضع العرب والمسلمين في خانة الإرهاب، فقد نشطت وسائل الإعلام الغربية، بما تملكه من تقنيات عالية، في التأثير على شريحة واسعة من الشعوب، وقد لعبت دوراً فاعلاً وخطيراً في نقل الصورة المشوهة عن المسلمين والعرب، مع قناعتنا التامة بأن رسالة الإسلام هي رسالة التسامح والاعتدال والمحبة، وأن تنظيم داعش المحترف للإرهاب والإجرام هو تنظيم أمريكي النشأة، أمريكي التدريب، أمريكي الدعم والإسناد، أوجدوه ليؤدي رسالة الحقد ضد الإسلام والعرب.

العدد 1104 - 24/4/2024