هناك.. على مقربة من يافا! هنا على مقربة من القلب..

 

 

 قال لي جدي، وكان قد خاض عدة حروب في القرن العشرين: نحن ننسى، وهم لاينسون!

وكنت أعرف أنه يقصد الإسرائيليين والصهيونية في العالم، فقد خاض جدي الحرب العالمية الأولى، أو حرب (الأربتعش) كما يسمونها مع الأتراك مرغماً، وشارك مع جيش الإنقاذ، وكان يحمل في داخله خوفاً كبيراً من الصهيونية، لأنها ترسم لكل مآسي العالم كما قال..!

فجأة.. أمسك جدي كتابا عتيقاً، لم أنتبه إلى وجوده من قبل، قلبه بين يديه النحيلتين، وقال لأبي: تعال انظر، فأنتم المتعلمون تحفظون الكتب المدرسية وتنسونها، وتكتفون بوظيفة في ديوان أو بتدريس صفوف الابتدائي أو في مرآب سيارات للدولة!

     اقترب أبي منه ضاحكاً، وأنصت إليه، وهو يقرأ ويعلق في وقت واحد:  بدء العدوان الثلاثي على مصر ومجزرة كفر قاسم في وقت واحد. إسرائيل تشتغل على أكثر من خط. تقتل الفلسطينيين عندما تسنح الفرصة، تأخذ أراضيهم عند كل إغماضة عين.. والعرب ينسون ولايربطون الأشياء ببعضها البعض، وكأن إسرائيل لاتستهدفهم هم..

عندما ينشغلون بشيء ما، ينسون إسرائيل، فتعرف هي أنهم نسوها، فتسارع إلى تسديد ضرباتها..

***

   تقع مدينة كفر قاسم على هضبة قريبة من مدينة يافا الفلسطينية، بارتفاع 280 متراً فوق سطح البحر، على بعد 18 كم شرقي مدينة يافا، ومجزرة كفر قاسم حدثت مساء يوم الاثنين في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1956 وقتل فيها 49 من المدنيين العزّل على أيدي حرس الحدود الإسرائيلي، حين أعلن نظام منع التجول، وكان الناس حينذاك في أماكن عملهم خارج القرية.

تقول المراجع التي تتحدث عن المجزرة: كان القتل جماعياً، فقد أوقف الجنود السيارات التي تنقل العمال والعاملات، وأجبروهم على النزول منها وتمت تصفيتهم دون رحمة، فقتل الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. وتمّ دفنهم في اليوم التالي، على أيدي مواطنين جلبهم الجنود من قرية مجاورة. وقد كشف النقاب فيما بعد عن خطة لترحيل العرب من منطقة المثلث، أطلق عليها اسم الخلد.

   لاحظوا المذابح التي تحصل هذه الأيام، هي ابنة المدرسة نفسها في التاريخ الذي نعيشه. مذابح مخيفة لايصدق عربي أن العربي يقوم بها، ولا يصدق المسلم أن المسلم يقوم بها، ولا يصدق الإنسان أن الإنسان يقوم بها! 

    عندما ارتكبت إسرائيل مجزرة كفر قاسم، وفي ذلك اليوم بالتحديد، بدأت قواتها العدوان الثلاثي على مصر، بالاتفاق مع فرنسا وبريطانيا، في رد على الخطوة الوطنية الكبرى  أي تأميم قناة السويس  للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان من الضروري أن ينبه العرب إلى أن الجانب الصهيوني يعمل على أكثر من خط مرة واحدة!

   ماذا تفعل إسرائيل هذه الأيام؟!

هل تذكرون مجزرة كفر قاسم؟! هل تذكرون العدوان الثلاثي؟! ذكراهما مرت قبل أيام.