الإذاعة والتلفزيون.. وربيع القصة القصيرة جداً!

أنشأ عدد من الصحفيين وكتاب القصة الشباب صفحة على الفيسبوك للقصة القصيرة جداً، ينشرون فيها قصصاً وطنية شفافية تدخل إلى القلب بسرعة، وقد بدأت تنشر فيها كتابات شابة مختلفة السوية، خاصة أن الصفحة مفتوحة للمشاركين فيها، أي لا تحتاج إلى تحرير وتدقيق.

ومن جهتي، نشرت في تلك الصفحة عدداً من القصص، كنت أنقلها من صفحتي على الفيس بوك إلى تلك الصفحة الجديدة، وقد أثارت عندي هذه الخطوة هواجس جميلة قديمة تتعلق بحياتنا الثقافية.

قبل عشرين عاماً تقريباً، نشرت عشرات القصص القصيرة جداً في البرنامج التلفزيوني (آخر المشوار) الذي كنت أعده مع بعض الزملاء في القناة الثانية، وقد أشعلت هذه القصص همة الكثيرين ليكتبوا هذا النوع، خاصة أننا فتحنا الباب أمام المشاهدين لإرسال كتاباتهم، فنجحت الخطوة وأعطتنا دفعة إضافية، فقمت بخطوة تالية هي أمسية قصصية لهذا النوع، قرأت فيها المذيعة في المركز الثقافي نماذج جميلة من قصصي، وكانت الخطوة ناجحة، نشرت بعد ذلك مجموعة قصصية منتخبة، أعقبها إطلاق مجموعة (أصدقاء القصة القصيرة جداً) التي تشكلت في البداية من ثلاثة كتّاب: (الدكتورة مية الرحبي، وأنا، وأحمد حسين). وكانت الفكرة تقوم على إمكانية إثارة حوار ثقافي حول هذا الفن، وإشراك أكبر عدد ممكن فيه، وبالفعل حققت هذه الخطوة شيئاً مما كنا نأمل فيه، واتسع النشاط ليشمل كتاباً وصحفيين مهمين، ومالبث أن ظهر الملتقى الأول والثاني والثالث.

صار بعض كتاب القصة القصيرة جداً، يشربون البايب، ويلتقطون الصور لأنفسهم، وهم يسندون فكهم الأيمن بيدهم اليمنى، وتمكن بعضهم من الظهور على شاشة التلفزيون متحدثاً عن آفاق التجربة.

ثم صار لهم معجبون وطبعت مجموعات كثيرة من القصص الكثيرة جداً، منها الجميل ومنها الرديء، وكفقاعة البُشار انطفأت الظاهرة، ولم تعد لافتة، ولم يعد الهدف الذي حلمنا به هو الهدف نفسه!

مؤخراً، أطلقت الفضائية التربوية السورية برنامجاً بعنوان (أوراق صباحية)، وكل يوم صرنا نقرأ قصة قصيرة جداً، وهي قصص أعادتني إلى السنوات الأولى التي أنشأنا فيها ذاك الحلم التلفزيوني، ونشرت لي في هذا البرنامج بعض القصص، ثم وجدت مجموعة الشباب الذين يحررون البرنامج يفتحون صفحة على الفيس بوك تحت عنوان: (القصة القصيرة جداً). يمكن الدخول إليها من خلال المشاركين بها، وهم بالعشرات.

حمّستني هذه الصفحة المبتكرة كثيراً إلى الدرجة التي شعرت فيها أن بإمكان برامج الإذاعة والتلفزيون المنوعة والثقافية أن تساهم في تنشيط الحال الثقافي الراكد، ولو برمي وردة على سطح المياه.

أقول هذا، خاصة أن زاوية (بين قوسين) الإذاعية تقدم نماذج مهمة وكثيرة من هذا الفن في صباحات الإذاعة الجميلة.

نعم.. يمكن ذلك، فهل هناك أجمل من فن القصة لينتشر في بلادنا هذه الأيام؟!

 

العدد 1105 - 01/5/2024