شيك بلا رصيد.. وقراءة التاريخ بالمقلوب!

هل تذكرون عبارة (عزيزي اللورد روتشلد)؟!

إنها العبارة التي بدأ بها أرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا رسالته التي يَعدُ فيها بإعطاء وطن قومي لليهود في فلسطين.

في القانون، في أي قانون بالعالم، تشبه هذه الرسالة قضية أمام المحكمة فحواها (شيك بلا رصيد)، فكيف يمكن للسيد بلفور أن يدفع للمليونير اليهودي مالاً ليس له، أو يعده به والمال هنا (فلسطين)!

تلك حكاية من حكايات منطق التاريخ الخائب الذي تسعى بعض دول العالم هذه الأيام للعودة إليه، ويكفي أن نعود إلى الثاني من تشرين الثاني عام ،1917 ونتمعن جيداً في وثيقة جاء فيها حرفياً: (إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية..). يكفي التمعن جيداً بهذا الوعد لمقاضاة بريطانيا، التي تشجع الحركة الصهيونية العالمية على الاستيلاء على أراضي الغير! 

ختم بلفور تصريحه بالقول:

(سأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح..).

ثم وقّع بعبارة: المخلص آرثر جيمس بلفور.

وفور إعلان هذا الوعد سارعت دول أوربا، وعلى رأسها فرنسا وإيطاليا إضافة إلى الولايات المتحدة، لتأييده، فتخلت أوربا عن منطقها وعدالتها وفلسفة الحق عندها.. تخلت أوربا عن منطق الحضارة نفسه، فأسست للعدوان على أرضية إرضاء الحركة الصهيونية العالمية.

لذلك يبدو السؤال منطقياً:

– لماذا يتدافع زعماء الغرب لإرضاء اليهود؟!

تكرر ذلك أكثر من مرة، ومن قبل طلب نابليون، في خطاب وجهه إلى يهود الشرق؛ أن يكونوا عوناً له في هذه البلاد؟

 فهم اليهود خلفية السخاء الغربي، فهذا هو (موسى هس) يؤكد في قراءته لخطاب نابليون أن فرنسا لا تتمنى أكثر من أن ترى الطريق إلى الهند والصين وقد سكنها شعب على أهبة الاستعداد، لأن يتبعها حتى الموت (شاهد منقول)..

 فهل هناك أصلح من الشعب اليهودي لهذا الغرض؟!

تلك هي الفكرة الأساسية للمصالح الغربية في العصر الاستعماري الذي يسعى اليوم للعودة بملابس جديدة، يجري إعدادها جيداً لتناسب مخططاتهم الواسعة.

السؤال يفرضه التاريخ الآن: وليكن التاريخ مقلوباً لمرة واحدة، فهل سيوافق الغرب على إعطاء وعد بوطن قومي للشعب الفلسطيني في لندن، وليكن التوقيع من أي شخص أوربي اسمه آرثر بلفور؟!

العدد 1105 - 01/5/2024