مـواويــل أغاني الجداجد

من عادة الجداجد في الزبداني أن تُسمع أغنياتها طيلة الصيف لغيرها من الصرارات والنمل والكائنات الأخرى، وذلك طيلة النهارات في أنغام جميلة، يُسمع صداها من مسافات بعيدة… هكذا تغني لتفرح غيرها، وتنتشي كائنات كثيرة. وعندما تتعب الجداجد تنام تحت لزابة عالية في الليل لتتابع فرحها في اليوم التالي، تتابع نشر ألحانها الخاصة في الجرود العالية.

تترك الجداجد أحيانا أكلها، تترك نفسها لتأمين السعادة لغيرها. أما صداها فينزل من الجرود العالية متخطياً الوهاد والتلال، والسهوب ليصل إلى الجميع حسبما تود، فهي تريد إسماع غنائها للجميع.

إلا أن الجداجد لاحظتُ في هذا الصيف أن غناءها لا يمتد إلى ماكان يمتد إليه من مسافات، وأن بعض غنائها لايتعدى مسافة قليلة، وأن بعض صداها يرتد، ظنت الجداجد أن ذلك منها، ومن بحة صوتها، حاولت رفع صوتها أعلى فأعلى، حاولت إعادة الغناء، إلا أن كل ذلك لم يفدها، ولم يقدم أو يؤخر في سبيل انتشار صوتها، تبحث الجداجد عن السبب، تبحث وتتأمل وتصغي، تجلس تحت فيء اللزابة حزينة وتصغي، تبكي النمال والنحل والصرارات والكائنات الأخرى التي تطالبها بالأغنيات، بدأت تسترضيها وقد ظنت أنها غاضبة منها، ولكن الجداجد لم تجب، ولم تبد شيئاً.

أخيراً تسمع الجداجد صوتاً غريباً، غريباً عنها وعن محيطها، وعن ووجودها، وغريباً عن سعادتها. هذا الغريب يقف حاجزاً دون مدّ صوتها إلى البعيد، دون انتشار أغنياتها وسماعها لصديقاتها من الكائنات.

تقعد الجداجد تحت شجرة اللزاب حزينة تبكي متألمة وغاضبة، وتبكي حولها الجرود والجبال والسهول، ويبكي شجر اللزاب.

متى يذهب هذا الصوت الغريب الدخيل؟ هذا الصوت الذي يحجب صوت الجداجد، والذي يحجب أغنيات الجداجد، لتعود إلى سابق عهدها من الغناء والفرح، وتعود السعادة إلى النمل والنحل والصرارات، ويعود صدى الأغنيات إلى الطبيعة.

العدد 1105 - 01/5/2024