تداعيات العدوان الثلاثي على مصر.. الآن!

يختلط المشهد العام في المشرق العربي في تفاصيله بين الماضي والحاضر، ثم يعود فيتضح سريعا عند التدقيق فيه، الماضي عندما يكون الحدث بحجم تأميم قناة السويس من قبل رئيس عربي يحمل اسم الرئيس جمال عبد الناصر، وبحجم رد الفعل عليه الذي استدعى تدخلات كبرى!

والحاضر عندما يكون بحجم الكارثة التي يعيشها العرب هذه الأيام والتي تشبه ما رسمه الخيال العلمي عن نهاية العالم، فالمشرق العربي يغلي كمرجل اشتعلت النيران تحته طويلاً، وفيه تسيل الدماء وتدمر المدن والقرى والبلدات، والمشرق العربي مستهدف إلى آخر قطرة دم، والغريب أن الاستهداف عالمي، وأن شبه إجماع قد تحقق على ذلك!

لماذا يختلط المشهد في البداية؟ ولماذا تكون الرؤية مشوشة إلى الحد الذي يتردد فيه المراقب عن إعطاء رأي أو الشروع في البحث عن موقف جازم؟ ثم لماذا يتضح كل شيء فجأة؟!

عام 1956 قام مشروع نهضوي عربي وراح يبحث عن مستقبله، وسريعاً وجد استجابة الناس له. وكان العرب مجبولين على البحث عن مصير يليق بهم بعد مرحلة استقلال الدول المتتابعة الذي ظل يستمر إلى أن استقلت الإمارات العربية المتحدة في سبعينات القرن الماضي.

لم يكن أمام القوى المستعمرة إلا الرد، فردت بالعدوان الثلاثي الذي أحبطته الظروف الدولية، وموقف الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت. وواقعياً، كان العرب تواقون للتلاحم والرد بقوة على المشاريع التي ظهرت بدءاً من مشروع إيزنهاور وصولاً إلى ترسيخ التجزئة والتقسيم!

في العقدين الأخيرين كان واضحاً أن التنمية في البلدان العربية أخذت تشق طريقاً واسعاً مع حوامل وطنية يؤمن بها الناس، وبرزت في هذه المرحلة قوة تضامنية عربية مقاومة كانت في جوهرها استمراراً للرد على مشاريع كامب ديفيد التي تفرض في فلسطين والأراضي العربية المحتلة!

إذاً.. هي إسرائيل!

الكلمة المفتاحية لمعرفة، لماذا لايريدون أي نهضة وصحوة في المجال العربي، وكان يمكن أن تقوم إسرائيل وحيدة (بتربية) جيرانها، والعبارة بين قوسين، لأنها الشرطي الذي يؤدب ويقتل ويحرق ويدمر دون أي مساءلة دولية، ولأن المقاومة كانت تطهر نفسها من الرخاوة والتشتت والمال النفطي، فإنها غدت سريعاً شكلاً من أشكال كبح العملية الإسرائيلية..

على هذا الأساس استهدفت المنطقة كلها.. كان ينبغي إعادة ترتيبها كما يناسب إسرائيل، ولكي تناسب إسرائيل يجب أن تكون مقسمة مشغولة باقتتال من نوع خاص.. تلك هي التي تجعل الصورة مشوشة، ثم فجأة تتضح معالمها..

العدد 1105 - 01/5/2024