القارئ المدلل في أوربا والعالم الغربي

تتميز الأرقام بقسوتها البالغة وقدرتها على تعرية الحقائق والتنبيه إلى قضايا كنا ولا نزال نحاول إخفاءها أو تناسيها. ولعل أكثرها قسوة تلك التي تتناول معدلات القراءة وعدد الكتب المقروءة بالسنة في الوطن العربي، مقارنة مع مثيلاتها في الدول الأكثر تحضراً. فيقال إن الإنسان العربي يقرأ ربع صفحة بالسنة مقارنة بـ 11 كتاباً لنظيره الأوربي، أو أن عدد الكتب المترجمة سنوياً في إسبانيا يعادل مجمل ما ينشر في العالم العربي خلال الفترة نفسها، وغيرها من الإحصائيات التي تلسع بسياطها واقعنا المتردي. لكن يعيبها أنها تركز على القراء وتتجاهل اختلاف المواد المقروءة في الوطن العربي من كتب ودوريات عن تلك التي تحظى بنسب قراءة عالية في الغرب. وهي نقطة تعدُّها هيئات الإحصاء غير مهمة، أو أن تأثيراتها على النسب المتفاوتة للقراءة غير جديرة. بالذكر مع العلم أن للكتاب المنشور ونوعيته وآليات تسويقه تأثيراً مهماً على اجتذاب القراء وإدخالهم إلى عالم الكتب الواسع والغني. لذلك لا بد من إلقاء نظرة على أهم ما يحظى به القارئ الغربي ويشده إلى القراءة والاستزادة، وهو ما يحرم منه القارئ العربي إجمالاً:

1- أياً كان المجال الذي يرغب القارئ في دخوله والتعرف على ميادينه وتذوق ثماره، فإنه سيجد بالتأكيد كتاباً مبسطاً يقوده من يده ليعرِّفه على المجال المنشود، حتى لو كان لا يعرف عنه شيئاً ولا يملك أي خلفية يستند إليها، فتجد سلاسل كتب مثل:   (تعرف إلى …) و(مقدمة قصيرة جداً في …)، وهي تغطي ميادين مختلفة من الفيزياء الكمومية حتى السيميوطيقا، مروراً بالتكعيبية والسوريالية والفاشية والبوذية… و غيرها، وحتى الآن لا يزال كتاب ستيفن هوكنغ (موجز تاريخ الزمن)، الصادر سنة 1987 هو أكثر كتاب تربع على قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة (5 سنوات متتالية). وهو كتاب يتناول مواضيع: نشأة الكون، الفيزياء الكمومية،النظرية النسبية بلغة مبسطة مفهومة لجميع أطياف القراء، وهو خال من أية معادلة رياضية، وهو ما حقق له هذه الشعبية. بينما تغيب هذه المنشورات تأليفاً وترجمة عن الساحة العربية، إذ تتوجه الكتب إلى شرائح معينة من القراء وتوصد أبوابها دون الآخرين ممن لا يملكون معرفة مسبقة بمواضيعها.

2- في العالم الغربي تقابل الكتب قراءها بوجه بشوش، يتجلى بجمال التصميم ونوعية الورق وحجم الخط واستخدام الصور التوضيحية أو حتى الكرتونية والكاريكاتورية، لإراحة العين والفكر خلال القراءة. حتى إن إحدى سلاسل الكتب في الولايات المتحدة كتبت على طريقة القصص المصورة لاجتذاب القراء بهذا الأسلوب المبتكر. بينما يرى الناشرون العرب أن القارئ المهتم والشغوف بالمعرفة يجب أن لا يقف عند هذه الأمور الشكلية، من تصميم وإخراج وتنضيد، والتي لا تعدو كونها ترفاً زائداً بنظرهم، فيتجاهلونها، مما يؤدي إلى تنفير القراء من الكتب رغم ثمنها غير المرتفع بهذه الحالة.

3- وأخيراً لا تضطجع الكتب في الدول المتحضرة على رفوف المكتبات ووواجهاتها بانتظار عشاقها من القراء، بل تتواصل معهم من خلال القنوات التلفزيونية (لا يمكن إنكار تأثير برنامج مثل (أوبرا) على انتشار الكثير من الكتب في أمريكا والعالم)، والإعلانات الطرقية والصحفية وهو ما يحقق لها مبيعات جيدة وانتشاراً واسعاً، ويساعد على ذلك أيضاً صدور قوائم دورية بالكتب الأكثر مبيعاً، وهي أداة ترويج تحقق تنافسية عالية وتحث كلاً من الكاتب ودار النشر على المزيد من التطور.

بالنهاية فليهنأ القارئ في أوربا وأمريكا بكتّابه ومثقفيه ودور نشره، الساهرين على خدمته وتأمين متطلباته المعرفية وإيصالها إليه بأفضل الطرق. وليهنأ مثقفونا بحفنة من القراء الذين وهبهم الله القدرة على استخراج الكتب من المكتبات، ومن ثم فك طلاسمها وتحمُّل جلافتها وعبوسها.

العدد 1105 - 01/5/2024