لعل مصائبنا الثقافية …

لعل مصائبنا الثقافية الكبرى لم تبدأ بعد!
#العدد823 #جريدة_النور
#بقلم_ديمة_حسن

آلاف الصفحات قد كُتبت عن أسباب الأزمة الثقافية والضعف والتخلف الفكري والمعرفي الذي تعاني منه بلادنا، فلطالما شغل هذا الموضوع الباحثين والمفكرين المهتمين بالشأن الثقافي، وقد بحثوا وحاولوا تحليل الواقع المؤدي إلى هذه المأساة.
ولكن هذه المأساة من ضعف وانعدام في بعض الأحيان تصبح أمراً عادياً، إذا ما قارناها بالأزمة الثقافية الحديثة التي باتت تواجهنا، من تشويه للحقائق والتاريخ، ومن تداول معلومات ملفقة وكاذبة عن قصد أو عن غير قصد.
فنحن اليوم وبناء على تصفح بسيط لمواقع التواصل الاجتماعي وبعد كل حدث عالمي أو محلي نكتشف عمق المستنقع الذي تسبح فيه ثقافتنا.
تداول سريع لمعلومات وحقائق خاطئة، صناعة سريعة لأبطال وهميين في بعض الأحيان، يقابله نسيان أو تناسٍ لأحداث وأبطال حقيقيين كانوا رموزاً في يوم ما.
وفي الترويج لذلك فأنت لست بحاجة إلا إلى صفحة فيسيوكية ذات تسجيلات إعجاب عديدة، أو أن تكون على تواصل مع أحد مديري هذه الصفحات، مع خبرة صغيرة في مجال تصميم الصور، ونركز هنا على الخبرة الصغيرة لأن ما يجري تداوله في معظم الأحيان لا يرقى إلى تصميمات أشخاص محترفين في هذا المجال. إذاً، فصورة بسيطة مع معلومات رنانة ملفقة غالباً تنتج مادة دسمة يتناقلها مرتادو هذه المواقع ظانّين أنهم قد وجدوا ضالتهم، فيسارعون إلى النشر والتداول، والاعتماد هنا على جهل معظمهم بالمعلومة من جهة، أو جهلهم بالوسائل البسيطة للتحقق منها من جهة أخرى.
إن حداثة عهدنا بالتكنولوجيا التي لم تكن يوماً من إنتاجنا، أدى إلى جهلنا بطرق الاستخدام الأمثل لها، فبات استخدامها سطحياً، ولم يكن اكتشاف مكامن قوة هذه التقنيات التي تفتح أبواباً واسعة للثقافة والعلم والمعرفة، فيما لو استخدمت بالقليل من الوعي والمسؤولية، لم يكن بالأمر الهام لدى معظم الناس.
واليوم وفي ظل اجتياح العولمة الثقافية كغيرها من أشكال العولمة نكاد نقف عاجزين عن تفادي آثارها السلبية، وضمن هذا الواقع الجديد فإن مواجهة الصورة لن تتحقق إلا بصورة مضادة تحمل معلومات ومصداقية عالية تزيد الوعي الحقيقي لمتداوليها.
لقد دخلت التكنولوجيا وتطبيقاتها إلى كل بيت، والحديث عن تحييدها عن الحياة اليومية بات ضرباً من الخيال، ولكن لربما لم يفت الأوان بعد لاستغلالها بشيء من الوعي الذي يمكن أن يسخرها لاكتساب معرفة وثقافة حقيقية، ولكن ذلك بحاجة إلى ثورة ثقافية تستند إلى أفراد قادرين على البحث والقراءة الحقيقية المعمقة، مبتعدين كل البعد عن السطحية المراد إشغال الناس بها بشكل مخطط ومنظم من قبل منظومة عملت وبكل الأشكال والطرق لزيادة التخلف والجهل في المنطقة، بالتزامن مع استغلال اقتصادي داخلي شكل بيئة خصبة لمزيد من الجهل.
وفي حال لم يحدث تدارك هذا الوضع، فنحن مقبلون على مزيد من الجهل والتخلف وانعدام الثقافة وتشويه الحقائق.

العدد 1105 - 01/5/2024