الزواج بين الديني… والمدني

المحافظة على الخصوصية ذريعة ثابتة غير متحولة، وجاهزة دائماً في كل محفل لإطلاقها في وجه أي تغيير، خاصة أنه سيصب في طبيعة علاقة تضم اثنين فقط لا ثالث لهما، وهما الزوج والزوجة دون أن تفقدهما حريتهما في الاختيار ما بين: عقد ديني شرعي، وعقد مدني شرعي أيضاً يخضع لقوانين تحترم حقوق الطرفين.

ورغم أننا في سورية ندعي أننا دولة علمانية فإن زواجاً مدنياً في ظلها لم يحدث حتى الآن، لأنه حين يتم بشكل كامل فصل الدين عن الدولة، سنجرؤ بقوة أكبر على الإلحاح بتطبيق قانون الزواج المدني الذي لا يفرض على أحد الطرفين الانقياد لتشريعات الطرف الآخر،أي لطائفة غير التي انتمى إليها منذ ولدته أمه.

وبالرغم من اطلاعي على ما يخص قوانين الزواج بين طائفتين أو دينين مختلفين، إلا أنني صدمت حين رأيت شهادة ولادة سطّر في أعلاها عبارة (طفل غير شرعي) لأب مسيحي لم يتأسلم وأم مسلمة، ألا يحق لهذا الطفل الذي لا ذنب له حين سطرت القوانين -الموقعة على اتفاقية حقوق الإنسان وحقوق الطفل العالمية!!- العيش كأي طفل له كل الحقوق؟ لسبب أن أمه مسلمة وعلى والده أن يرضخ للتشريعات الدينية للبلد الذي ينتمي إليه بجذوره العائلية والدينية لا الوافد إليه من الخارج!؟

 لم لا يجري التعامل بالمثل؟ حين يعقد زواج المسيحية من مسلم فتبقى على دينها ويسجل الزواج شرعياً في سجلات الأحوال المدنية، وكان بالأحرى أن تسمى سجلات الأحوال الدينية.

يحمّل المؤيدون للزواج المدني رجال الدين من جميع الطوائف المسيحية والإسلامية مسؤولية عرقلة طرح هذا القانون وتقديمه، والأسباب طبعاً جبال لا تتزحزح تخص الشرائع الدينية التي تعمل بها كل طائفة على حدة من حيث: عدد الزوجات، موجبات الطلاق، القوانين الإرثية، قانون التبني، والمهر بحجة أنه يحفظ للزوجة حقها ما يتعارض مع قوانين الزواج المدني الذي لا يقر مهراً بحق الزوجة الراشدة التي تعرف ما لها وما عليها.

لا نمل ولا نكل إذ نعيد ونكرر على مسمع رجال الدين أن إقرار هذا القانون لن يلغي الزواج الديني، إنما سيمنح كامل الحرية للاختيار بينه وبين المدني، لابد أن نتساءل إذاً ما المانع الحقيقي لديهم؟! وهل يهدد أو يضعف ذلك من سلطتهم؟! وأشياء أخرى….

كنا نأمل في سورية أملاً ضعيفاً بإقرار قانون للزواج المدني قبل أن تغذي الحرب وإعلامها الحسّ الطائفي وتشحنه بالدماء الآن، بات الأمل شبه معدوم بسبب الارتداد نحو العصبية القبلية أو الطائفية.

العدد 1107 - 22/5/2024