أيّ خطط؟ أي أحلام؟

أيّ خطط؟ أي أحلام؟!
#العدد823 #بقلم_حسين_خليفة #جريدة_النور

ربما كان السؤال في صيغته الأدقّ: من بقي من شبابنا بعد سبعٍ عجاف؟
من لم تلتهم عمرَه الغضّآلةُ الحرب الجهنمية والغرف المظلمة تاه في المهاجر، ولم يبقَ إلاّ القليل القليل.
تكفي جولة في شوارع أي مدينة أو قرية سورية لنرى الكارثة من أحد جوانبها: غياب الشباب.
أيُّ سياسات حكومية تُتَّبع لتأهيل الشباب وتشغيلهم؟
غالباً، لا توجد سياسات حكومية بمعنى سياسة مخططة ومدروسة، كما في كل مجالات الاقتصاد والسياسة والمجتمع.
الحكومات المتعاقبة منذ أن دخلنا نفق العسكرة لا تحكم إلاّ بالإملاءات التي تأتي من خلف الستائر السميكة، ممّا يجبرها أن تكون كل قراراتها وأعمالها ارتجالية إسعافية غير قائمة على دراسات وخطط.
يكفي أن ننظر إلى سياسات الإسكان خلال أربعين عاماً،فقد فرّخت عشوائيات على مدّ النظر تحتاج إلى موازنات عملاقة للخروج منها إلى سكن صحي يليق بالبشر، لنعرف مدى وجود خطط وسياسات مدروسة لدى حكوماتنا المتعاقبة.
يكفي أن ننظر إلى تعامل هذه الحكومة،والحكومات السابقة، مع سياسات الأجور، الأمر الذي جعل الفساد ضرورة حياتية ومجتمعية لا بدّ منها لخلق توازن مجتمعي، كما قال الطيب تيزيني مرة في بداية الألفية الثالثة، حين شرعت الماكينة الإعلامية الرسمية تسوّق لإصلاح وتطوير وتحديث.
الأمر ينسحب على التعامل مع قضايا الشباب، إذ ما زال ولاة الأمر يرون في منظمات متكلّسة بيروقراطية مليئة بالانتهازيين والمنافقين تدّعي تمثيل الشباب والطلاب والدفاع عن مصالحهم وقضاياهم، يرونها ممثلة شرعية وحيدة لا يأتيها الباطل من بين أيديهاأو من خلفها.
وتستقي من هذه المنظمات صوراً زاهية وملونة ومخملية عن وضع الشباب في البلد رغم كل ما يجري ويُرى بالعين المجردة.
الشباب.ـ أو من تبقى منهم، ضائعون الآن بين حالة البحث عن أيّ فرصة عمل (حتى لو كانت وظيفة حكومية براتبها البائس، وبقتلها لروح الإبداع والطموح سوى لأبناء المناضلين الأشاوس الذين يتكئون على تاريخهم النضالي العريق في تكريس وتوسيع إمبراطورية الفساد والقمع)، وحالة الخوف من أيّ خطأ مطبعي قد يضعهم في فم الموت.
الشباب الآن لا عاصم لهم من رياح الحرب السوداء، بل هم الضحية الأولى كونهم وقوداً للحرب أولاً، وهدفاً لكل القوى المتصارعة ثانياً.
رغم الكم الهائل من المنظمات والجمعيات التي ترفع شعارات تدريب وتأهيل الشباب، والدعم الكبير الذي تتلقاه هذه المنظمات من الجمعيات والمنظمات العالمية المانحة للقروض والهبات، إلاّ أن ما هو ماثل للعيان: انتشار كبير للبطالة في صفوف الشباب، ونقص كارثي في الخبرات الفنية والعلمية بعد النزيف المزمن فيها، حتى صار ينطبق علينا المثل القائل: من قلّة الخيل سرجنا الكلاب.
ما تستمر فيه الحكومة كما سابقاتها هو إطلاق الوعود وعقد المزيد والمزيد من الاجتماعات والندوات والمؤتمرات وورش العمل التي تُصرف عليها أموال تكفي لبناء مجمّعات تدريب وتأهيل حديثة، وتستوعب شبابنا الذين لم يستطيعوا لسبب أو لآخر- ومعظمها تتعلق بالحرب وإفرازاتها-إكمال تعليمهم.
لا ننتظر، ولن ننتظر، شيئاً من حكومة تصمت أمام واقع مزرٍ للرواتب والأجور كمثال، فأي حكومة في العالم تقبل بحفلة التكاذب المستمرة منذ عقود بينها وبين المواطن، تعطي المواطن القليل وهي تعلم جيداً أنه حتى يستمر في العيش يحتاج إلى أضعاف ما تعطيه، وتغمض عينها عمّا يجترحه هذا المواطن كي يستمر هو وأسرته في العيش، وليس في الحياة طبعاً سواء أكان ما يجترحه استنزافاً لطاقاته وعمره في أكثر من عمل،أو انجرافاً في تيار الفساد وهو ما يحصل عموماً.
سياسات حكومية منتجة للفساد وراعية له، ماذا نتوقع منها أن تفعل لجيل الشباب بعد أن دُفِنَت أحلام الأجيال التي تعبت وما ارتاحت؟

العدد 1105 - 01/5/2024