النظام العالمي الجديد

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تشكل الطوق الرأسمالي الحديدي المهيمن على اقتصاد العالم وسياسته وثقافته، بل ظهرت في الساحة العالمية عام 2009 بعد أزمة الانهيارات المالية والاقتصادية العالمية (2008) مجموعة الـ (بريكس). وتضمَّن الإعلان في حزيران من العام نفسه (تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية). وتسعى (بريكس) إلى دور عالمي أكبر يتلاءم مع تنامي وزنها في الاقتصاد الدولي بعيداً عن الإطار العالمي، الخاضع لسيطرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي واليابان، فهي تحاول أن تؤسس لذاتها إطاراً موازياً من خلال عقد اتفاقات وتشكيل مؤسسات خاصة بها.

إن أول قمة لـ (بريكس) عقدت في (ييكاتيرينبرغ) في روسيا في حزيران عام 2009 مثلت فيها أربع دول هي: (روسيا، البرازيل، الصين، الهند). أما جنوب إفريقيا فقد انضمت عام 2010 وأصبحت تسمى (بريكس) بدلاً من (بريك).

تشكل هذه الدول ربع مساحة اليابسة، ويقارب عدد سكانها 40 في المئة من سكان الكرة الأرضية، الأمر الذي يجعل منها أكبر أسواق العالم من حيث عدد المستهلكين. وإذا أضيف إليها التكتلات الإقليمية المرتبطة بأعضائها في قارتي (أوربا وآسيا) مثل منظمة (شنغهاي)، فستشكل البريكس ثلثي سكان العالم. ومن المتوقع مع استمرار ارتفاع متوسط نصيب الفرد من الدخل في هذه الدول إلى المستويات العالمية، أن تصبح أيضاً أكبر أسواقه الاستهلاكية. ولدول البريكس 3.11% فقط من إجمالي الأصوات في صندوق النقد الدولي، في حين تمتلك الولايات المتحدة وحدها 75.16%  من الأصوات.

وتبنَّت البريكس نظاماً مبنياً على التعاون بين الدول الوطنية المستقلة ذات السيادة المطلقة، بدلاً من النظام الأطلنطي (نظام الناتو والاتحاد الأوربي)، الذي تحوَّل إلى نظام تذوب فيه استقلالية الشعوب المنضوية تحت لوائه وهويتها. وقد كشرت الإمبريالية الأمريكية عن أنياب الشر كدولة عظمى،مهيمنة، تصوّرَت أن أحداً مهما بلغ من جبروت اقتصادي وقوة سياسية، لا يقدر أن ينافسها ويقف في وجهها متحدّياً أحاديتها وغطرستها وسياستها أو يصيبها بأي خللٍ ويضعفها.. لذلك، وبعد أن برزت مجموعة البريكس منافساً مباشراً لها، اتخذت واشنطن مواقف للحد من تصاعدها ونفوذها، خاصة بعد أن وصل نمو الناتج المحلي لها إلى 300 في المئة، وبلغ احتياطي النقد الأجنبي أكثر من أربع تريليونات دولار أمريكي.. وهذا ما سيجعلها في المستقبل قوة مؤثرة وفاعلة بحيث تتقدّم وتصبح في طليعة المجموعات الاقتصادية العالمية منافساً لأغنى دول العالم.

لقد اتخذت البريكس عدة قرارات هامة في قمة دلهي عام 2013 وفي قمة البرازيل عام 2014 فقد أنشأت (بنك التنمية لتعبئة الموارد المالية) لأغراض تمويل مشروعات البنى التحتية والتنمية المستدامة في هذه الدول، وكذلك لتقديم التمويل المناسب لغيرها من الدول الناشئة والنامية في العالم برأسمال قدره 50 مليار دولار، بإسهامات متساوية من البلدان الخمس. وسيرتفع إلى 100 مليار دولار تساهم الصين بـ 41 مليار دولار، وكل من الهند وروسيا بـ 18 مليار دولار، وجنوب إفريقيا بـ 5 مليارات دولار.. والهدف أيضاً هو إنشاء مؤسسة دولية رديفة للمؤسسات الاقتصادية الدولية الحالية مثل:(البنك الدولي وصندوق النقد الدولي).

عقدت قمّة مجموعة البريكس في (أوفا) بروسيا في التاسع من تموز 2015. وصدر عنها ست وثائق بعناوين كبيرة لها أهمية تعود بالمنفعة على دول المجموعة، وتنعكس إيجابياً على المستوى العالمي، خاصة على الدول النامية والتي تسير في طريق التنمية.. وهذه النقاط هي:

1 – خطة عمل للمرحلة المقبلة.

2 -استراتيجية الشراكة الاقتصادية.

3 – اتفاقية التعاون الثقافي.

4 -مذكرة نيات حول التعاون مع بنك التنمية الجديد.

5 – مذكرة تفاهم لإنشاء موقع إلكتروني خاص بالمجموعة.

6 -البيان الختامي الذي عبَّر عن موقف المجموعة من مختلف الصراعات الملتهبة على الساحة الدولية، خاصة الحرب على الإرهاب والاحتلال الصهيوني لفلسطين والأزمة الأوكرانية.

وقال الرئيس الروسي (بوتين):

تدين بريكس الجرائم الوحشية التي يرتكبها (داعش)، كما تدين انتهاكات حقوق الإنسان. وتدعم لقاءات موسكو التشاورية حول التسوية السورية. وتؤيد خطوات الاتحاد الأوربي والمساهمة في التسوية السياسية في سورية، بما في ذلك تنظيم جولتين من المشاورات (السورية – السورية) في موسكو في كانون الثاني ونيسان 2015.

وتدعو دول البريكس إلى تجنّب الكيل بمكيالين في مجال مكافحة الإرهاب.. وأن تستأنف إسرائيل مفاوضات السلام.

إن مجموعة البريكس هي المنافس الجديد للقطب الأحادي الدولي ستغير سياسة الهيمنة الإمبريالية.. وتفتح منافذ جديدة للدول النامية والضعيفة في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.. وتعمل من أجل حل القضايا الشائكة حلاً سلمياً بما يحقق الأمان والاطمئنان للعالم، ومناصرة الشعوب لنيل حقوقها كاملة في السيادة والحرية والاستقلال التام.

العدد 1104 - 24/4/2024