ضربة قاصمة للإرهاب وهزيمة نكراء لأمريكا

 أصداء معركة تحرير حلب لم تنتهِ بعدُ، بل الأصح القول إن أصداءها تكاد تبدأ الآن، وكان الكثيرون مقتنعين بل ويؤمنون بأنه، في ظل النظام الاستبدادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، لا يمكن لأي شعب أن يحقق طموحاته المشروعة.

لقد خرق انتصار حلب هذه القناعة وذاك الإيمان، وبرهن أن الخضوع للإدارة الاستعمارية، أيا كانت، لم يعد قدراً محتوماً، وأن العبارات اليائسة التي يرددها الكثير من المتشائمين: مثل (العين لا تقاوم مخرزاً)، لم يعد لها مكان بعد الآن.

لقد ظنّت الإدارة الأمريكية أنها، بتوسيعها دائرة الدول والجيوش التي يمكن أن تشارك معها في تحطيم الدولة الوطنية السورية، يمكن أن يجنبها ردود أفعال سلبية داخل بلادها، ويضمن لها تحقيق النصر العسكري، فاخترعت مؤتمرات سمتها مؤتمرات (أصدقاء سورية) حضر بعضها ما يزيد على مئة دولة، وحضر غيرها ما يزيد على 60 دولة، كما ضغطت على أكثر من ثمانين دولة لترسل جنودها ومقاتليها لقتال سورية تحت راية الإسلام، فماذا كانت النتيجة، بالرغم من استخدامهم أحدث الأسلحة ومن أنها وفرت لهم الأموال الطائلة، وأوسع تغطية إعلامية منافقة جرى تأمينها للمرتزقة الذين جلبتهم أمريكا، والذين قدر عدد على الأقل بـ200 ألف مرتزق.

أجل، ماذا كانت النتيجة؟

الفشل والهزيمة و(الباصات الخضراء) في النهاية!

وللجيش السوري وأصدقائه وحلفائه النصر المؤزر…إن الضربة التي يشكلها هذا الانتصار لم تكن لإرهابيي حلب، أو لإرهابيي سورية فقط بل هي أيضاً لإرهابيي الوطن العربي والإقليم بكامله وربما العالم أيضاً.

ومن الآن فصاعداً يجب أن نأخذ بالحسبان أن المنظمات الإرهابية، مثل القاعدة والنصرة وداعش، هي منظمات عسكرية ترتبط بوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وتنفذ المهام الموكلة إليها من هذه الوزارة، وإلا فماذا تعني هذه الاستماتة الأمريكية في الدفاع عن سلوك الإرهابيين في سورية، ومحاولتها الحفاظ عليهم وعلى أسلحتهم وعلى تنظيماتهم، بينما تصبّ طائراتهم جام حقدهم على الجيش السوري الذي يقف بكل شجاعة في موقف الدفاع عن بلده وأرضه، ويلفقون الأكاذيب المكشوفة والسمجة  ضدّه.

إن المعركة الأخيرة، ولا شك في أنها لن تكون الأخيرة مادام شبر واحد من الأراضي السورية مدنساً من قبل الغزاة، نقول إن هذه المعركة هي واحدة من أهم معارك حركة التحرر الوطني العربية التي تقاتل الإمبريالية العالمية في العديد من البلدان العربية، وسيكون ذلك درساً للشعوب العربية التي عليها أن تنفض عن نفسها غبار الهزيمة.

وهذه المعركة هي أيضاً مرحلة تصحيح للوضع العالمي الذي كانت الولايات المتحدة تعتبر فيه هي القوة الأكثر تأثيراً، لكن الوضع لم يعد هكذا بعد أن برز محور المقاومة، كعامل معّدل في ميزان القوى العالمي، لصالح قوى السلام والحرية.

إن الشعب السوري ودولته الوطنية هما الأكثر استفادة من هذا الانتصار، فما لم ينقض الإرهابيون الاتفاقات الأخيرة، فإن سيل الدم سيتوقف في أنحاء سورية، وستشرق شمس السلام في ربوعها.

لقد أعلنت دمشق بعد ساعات من تنفيذ الاتفاق مبادرتها الجديدة للحوار السوري السوري، بغية استئناف المساعي نحو الحل السياسي بالطرق السلمية. وعلى الكثيرين ممن يحكى عنهم أنهم معارضون أن يغيروا حساباتهم، وأن يلقوا وراء ظهورهم الأوهام البائسة، ويتمعنوا جيداً في اللوحة الجديدة للعالم، تلك التي تشير إلى ميزان القوى الجديد، وأن يتراجعوا عن الارتهان للدول الاستعمارية التي لا تريد الخير لبلادنا، بل تريدهم هم أذناباً لا قيمة لهم.

إن الشعب السوري يتطلع إلى عقد هذا الحوار بأسرع ما يمكن، وأن تبنى أساساته على أرض صلبة تمثل الواقع الجديد الذي نشأ بعد تحرير حلب. وألا يسمح للغرب وأذنابه بتحويل المعركة إلى حرب استنزاف طويلة المدى، إذ إنهم لا يريدون لسورية استئناف حياتها الطبيعية، لكنا واثقون بأن حلمهم هذا لن يتحقق.

العدد 1105 - 01/5/2024