فضيحة جديدة في السياسة الأمريكية

 اقترب (مطلع) شهر آب، بل بدأ، وهو الموعد الزمني المفترض أو المقدر لكي تفصح الإدارة الأمريكية عما في جعبتها من مقترحات وخطط تتعلق بأوجه التعاون العسكري مع روسيا، التي تجري في إطار مساعي ديمستورا والأمم المتحدة، والتي إن قوبلت بالإيجاب من الأطراف الأخرى، فيمكن حينئذ تحقيق تقدّم ما في مساعي الحل السياسي وإلا فلا..

في السياسة (النظيفة)،عندما تقترب الأمور من المنعطفات الحادة، يبحث السياسيون الحريصون عن حلول تقرّب ما بين وجهات نظر الأطراف المعنية، إلا في التعامل السياسي مع الإدارة الأمريكية التي تحرص على ألا تتكلم مع أحد إلا في ظل رائحة البارود والدمار، وإلا فلماذا إذاً هذا التهديد الملغوم الذي صدر عن مسؤول في المخابرات الأمريكية، والذي ورد في سياق حديث مطول عنه قائلاً إن استعادة سورية لأراضيها كاملة من الإرهابيين هو أمر يدخل في باب الخيال العملي، وأنه يرى في الأفق ملامح تقسيمية في سورية.

يقول ذلك وهو يعلم، ربما أكثر من غيره، أن ملامح التقسيم هذه قد أصبحت أضعف من أي وقت مضى، بعد الإنجاز الأخير الذي تحقق بتحرير الجزء الأكبر من حلب، ومما يعزز من هذا الاعتقاد هو التحولات النوعية التي بدأت تبرز إثر ذلك، ومنها الهروب الجماعي والكيفي للمسلحين، واختفاؤهم وراء المدنيين لزيادة الضغط الإنساني على سورية، واستفحال التناقضات في صفوفهم، خاصة بعد أن ظهرت بعض الدلائل على أن النظام التركي لم يعد يستطيع تقديم الحجم نفسه من المساعدات للإرهابيين، بعد أن غرق هذا النظام في أزمته التي تهدد بالانفجار كل يوم.

أما الإنجاز (العبقري) الآخر لمصانع التضليل الأمريكي الممتدة من هيوليود حتى الكونغرس، فهو الذي يدور حول مسرحية ارتداء جبهة (النصرة) الإرهابية ثياب الحمل الوديع بدلاً من ثياب الإجرام والقتل، واستبدالها باسمها اسماً آخر هو (فتح الشام)، وفكّ ارتباطها بتنظيم (القاعدة) السيّئ الصيت، مع المحافظة على أيديولوجيتها ومراجعها الفكرية.. وذلك كله، كما فُهم يدخل في إطار النفاق المسرحي لتبييض ورقة (جبهة النصرة) التي احترقت منذ اليوم الأول لبدئها بعمليات القتل والذبح وقطع الرؤوس وإلقاء الناس في الأفران.

كيف يمكن فهم هذه (التمثيلية) الجديدة دون أن تكون أمريكية الفكرة والإخراج، حتى ولو أصدر الأمريكان ألف تكذيب لذلك، فهم يضعون احتمالات متعددة للدور القادم للنصرة، ففي مرحلة المفاوضات يكون لهذه المنظمة كلمة فاعلة بحكم قوتها النسبية، ولا تكون واقعة تحت ضغط الدول الراعية لمفاوضات السلام إن بدأت فعلاً، وفي الوقت نفسه يمكن الحفاظ على هذه المنظمة إن تقدّمت عملية السلام، وهي، كما يراهنون مؤهلة للعب دور تنظيم سياسي وورقة قوية في جيب الولايات المتحدة، كما يمكن لها أن ترث دور منظمة داعش الإرهابية الأخرى في مواجهة (الإخوان المسلمين) أو بالتنسيق معهم.

إن أمور المنطقة تزداد تعقيداً، تنشأ أحلاف وتضمحل أحلاف، لكن لا شيء يدل على أن الولايات المتحدة ستتخذ موقفاً يحترم الدروس والعبر التي أفرزتها تجربة الحرب على سورية منذ أكثر من خمس سنوات إلى الآن، والتي تتلخص بأن الزمن قد تجاوز القيادة الأحادية الجانب للعالم، ومهما بلغت أمريكا من قوة فهي لم ولن تتمكن من إلغاء دور الدولة الوطنية السورية ولا أن تهزمها في الميدان أمام قوة الجيش العربي السوري الباسل بالتعاون مع حلفائه، وهي مجبرة، أيضاً، على أن تجلس على مائدة المفاوضات، لتحصد ما يمكن أن تحصد من نتائج إيجابية لمصلحتها، للآن وللغد أيضاً، بعد أن كانت تخطط لابتلاع سورية بلقمة واحدة.

الكل يعلم أن شعب سورية هو الذي يدفع الثمن، في الحسكة وحلب ودمشق وغيرها، ثمناً غالياً من الموت والدمار، وعندما يقال إن سورية كانت مركزاً للحضارات العالمية المتعاقبة، فمن الطبيعي أن تكون الآن مركزاً من مراكز الصمود العالمي.

 

العدد 1105 - 01/5/2024