الشرق الأوسط معمل لتفريخ المبادرات

لم تتوقف إفرازات الأزمات في سورية واليمن والعراق وليبيا، وما تزال الحلول السياسية عالقة في حناجر السياسيين. وحينما تخرج مبادرة من صالونات المشاورات وتطبع حروفها الأولى في الصحافة، سرعان ما تأخذ الوفود راعية المساعي شيئاً من أكسجين الأمل، بإيجاد الحل السلمي وفتح نافذة سياسية جديدة، لكن نقول دائماً: (تجري رياح المبادرات عكس اتجاه الشمال الحقيقي للبوصلة السياسية).

كل يوم أو الأصح كل فصل من فصول السنة تمدّ مبادرة جديدة رأسها، وتطل علينا حاملة غصناً أخضراً.. وينطلق المحللون السياسيون والاستراتيجيون تفسيراً وتحليلاً وتشريحاً وتأويل الاحتمالات والتكهنات وبث سلسلة من التصريحات، وتبيان من يؤيد هذه المبادرة ومن يرفضها ويضع الشروط التعجيزية والعقبات في الطريق الذي يصل بين دمشق وبغداد وطرابلس الغرب وصنعاء من جهة، وموسكو وطهران وجنيف من جهة ثانية.

يبدو أن الشرق الأوسط تحوَّل إلى حقل تجارب للإرهاب وإلى (مَفْرَخة) للمبادرات المقدمة من أفراد وتيارات وحكومات.. يمكن القول إنها تشبه أية مشكلة تعترض العمل في وزارة ما أو في أية مؤسسة، عندئذ تكثر الاقتراحات والمساومات وينتهي الأمر بتشكيل اللجان.. وكلما ازداد عدد اللجان تعسَّرت ولادة الحل.. وهذا ما حصل وربما يحصل في المستقبل في إيجاد الحل السياسي للأزمة السورية، الحل الذي يقرره الشعب السوري دون أن تلوثه الأيدي الممدودة لأعداء سورية.

لقد (خربط) تعدد المبادرات الذهنية السياسية والشعبية، وأدّى بوضوح إلى عدم قُدرة الرأي المحلي السوري خصوصاً، والعربي بشكل عام من تحديد موقف واضح، فهو يقرأ ويسجّل كل يوم مبادرة مصرية أو إماراتية، أو مبادرات من المعارضات التي تُقرّر في الرياض والقاهرة وأنقرة والدوحة.

هناك من صرَّح من موسكو قبل أيام بأن جنيف3 سيعقد في منتصف تشرين الثاني.. وهناك من يستعيد المقولة الأمريكية التي تكررت نحو مئة مرَّة، ويصيح بأعلى صوته ليسمع العالم (إن الحل السياسي للأزمة السورية دون الرئيس بشار الأسد) وبذلك تتحقق أحلام هؤلاء الموتورين الجالسين في زورق النجاة الذي يبحر من شواطئ الخليج إلى شواطئ بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط.

لقد سقطت بعض المبادرات واحترقت أوراقها قبل أن تخرج إلى الشارع السياسي بعد انتهاء لقاءات القاهرة من وفود الائتلاف وأطراف من المعارضة الوطنية السورية. ولم تلاقِ الاستحسان في معظم بنودها من دمشق وموسكو وطهران – وحتى من واشنطن نفسها التي تتبع سياسة صبّ الزيت على الحطب.

وطُليت المبادرة المصرية قبل عام (أيلول 2014) بالدهان الأسود حزناً على هذا الموقف الذي (عُدّل مؤخراً بعد زيارة السيسي لموسكو)، والذي لا يختلف عن موقف واشنطن، بل يظهر آنذاك أنها قدّمت مبادرة بالوكالة عنها. ومبادرات أخرى لا تستحق القراءة بل ألقيت في سلّة المهملات..!

ونتج عن اللقاءات والزيارات والمباحثات لوفود حكومية عالية المستويات، إلى عدد من العواصم العربية والإقليمية بمساعٍ إيرانية وروسية وموافقة سورية على عدد من بنود هذه المبادرات وتعديل ما يستحق التعديل، وما تزال التشاورات قائمة لبحث جميع الوسائل والبدء بالتنفيذ. وكانت المبادرة الإيرانية من المبادرات القابلة للحياة والتنفيذ بعد توافق معظم الأطراف عليها،وتتألف من أربعة بنود هي:

أولاً- وقف فوري لإطلاق النار.

ثانياً- تشكيل حكومة وحدة وطنية.

ثالثاً- إعادة تعديل الدستور بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية.

رابعاً- إجراء انتخابات بإشراف مراقبين دوليين.

أرى أن بعض بنود هذه المبادرة تحتاج إلى توضيح وتفسير البند الثالث خاصة: (طمأنة المجموعات الطائفية والإثنية). وفي الوقت نفسه أشار مسؤول إيراني إلى أن (المبادرة جرى تقديمها والتشاور بشأنها مع تركيا وقطر ومصر ودول أعضاء في مجلس الأمن).

يتساءل سياسيون: ما هو الموقف الأمريكي من حل الأزمة السورية بعد بروز المبادرة الإيرانية؟

يبدو من رؤية صورة للرئيسين (أوباما وبوتين)، يكاد وجهاهما يقتربان أحدهما من الآخر وأنهما يتهامسان ويسعيان لإيجاد حل للخروج من الأزمة السورية. وهناك مؤشرات ترافقت مع حراك سياسي ساخن (إقليمياً ودولياً)، لإيجاد حل نهائي وليس مؤقتاً.. النتيجة أن (موسكو وواشنطن) أعلنتا دعمهما لخطة سلام جديدة في سورية، وضرورة التوصل لحل الأزمة السورية خلال هذا العام.

وبالتزامن مع المبادرة الإيرانية برزت مبادرة روسية تحمل المضمون نفسه، وتدعو إلى تشكيل حلف إقليمي يجمع دول الخليج وتركيا وسورية، في مواجهة المجموعات المسلحة الإرهابية، وبذلك يكون مضمون المبادرتين(الروسية والإيرانية) هو الحرب على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. وأن (داعش) أصبح يمثل الخطر الأكبر لدول المنطقة، وأن سقوط المنطقة في الفوضى والعنف والإرهاب يهدد الجميع دون استثناء أحد. وهذه شكَّلت قناعات لزعماء واشنطن، بأن الخطر الأساسي على المنطقة وعلى مصالح الولايات المتحدة والغرب عامة لا يتمثل في النظام السياسي في سورية، وإنما في احتمال استيلاء الإرهابيين على السلطة في عدة دول في الشرق الأوسط.

العدد 1104 - 24/4/2024