يؤيدان علناً ويتآمران سراً!

الاتفاق الثلاثي الهام الذي نتج عن اجتماع وزراء خارجية كل من روسيا وإيران وتركيا، بخصوص الأزمة السورية والدعوة الموجهة إلى المعارضين السوريين للمشاركة في الاجتماع الأول الذي سيعقد في (الأستانا) عاصمة كازاخستان، بغية إطلاق حوار سوري- سوري دون شروط مسبقة، هو اتفاق يدشن بداية مرحلة جديدة من مراحل الأزمة والجهود الرامية إلى حلها بوسائل سياسية.

من الطبيعي التساؤل على نطاق واسع حول أسباب القبول المعلن لتركيا بالانخراط في هذه الدعوة، بعد كل المواقف الإجرامية التي ارتكبها حكامها بحق الشعب السوري، وعما إذا كانت هذه الاستدارة التركية ستدوم طويلاً أم أنها استدارة ظرفية؟ خاصة أن بعض المسؤولين الأتراك أطلقوا تصريحات من العيار الثقيل تتعلق باحتمال الخروج من دائرة التحالف مع أمريكا والبحث عن تحالفات استراتيجية أخرى. وللإجابة عن هذه التساؤلات لابد من ذكر عدة عوامل دفعت تركيا أردوغان إلى اتخاذ هذه المواقف، وهي بالدرجة الأولى فشل حملة الغزو الإرهابي البربري على سورية بفضل صمود الجيش العربي السوري والدولة الوطنية السورية، وثانياً متانة تحالفاتها الاستراتيجية مع كل من روسيا وإيران والمقاومة، وتغيير موازين القوى على صعيد تضعضع النظام الدولي الأحادي بكامله، وفشل محاولة الانقلاب في تركيا التي وضعت أمريكا على إثرها موضع الاتهام بدعم هذه المحاولة.

إن إدراك أردوغان أن الظروف الداخلية والإقليمية والدولية المحيطة به قد تغيرت لصالح سورية قد أرغمه على التفكير بمرحلة ما بعد الغزو، وبمحاولة إيجاد موطئ قدم له ضمن التغيرات المتتالية في المنطقة بما فيها إشراك فصيل (النصرة) الإرهابي في النشاط السياسي الرامي إلى الحل السياسي وحفظ حصة له ضمن هذا الحل.

إن حاصل هذه المعادلة المعقدة التي يجد النظام التركي نفسه أمامها ستكون الدخول في (الأستانا)  والاستفادة من مزايا هذا الدخول، وفي الوقت ذاته عدم التفريط بحلفه الذي مازال قائماً مع الولايات المتحدة، وبالتالي، لابد من العمل على تحقيق هذه المعادلة من خلال حضور اجتماع (الأستانا) من ناحية ومحاولة تأجيله أو تفشيله من ناحية أخرى، أو جعله يخرج بنتائج هزيلة لا تساعد على إيجاد حل للأزمة السورية.

ومن هنا يمكن تفسير عميلة اندماج بعض الفصائل المسلحة مع (النصرة) حماية لها من قصف المدفعية او الطيران السوري المخول بذلك، بحكم قرارات مجلس الأمن، وكذلك عملية قطع المياه عن دمشق التي ما كانت لتحصل لولا الدعم التركي، ثم القصف الوحشي التركي على (الباب) السورية، ويدخل في هذا الإطار أيضاً ما قيل منذ عدة أيام حول تدريبات ومعسكرات عسكرية جديدة يديرها ضباط أتراك ومنهم من كان محتجزاً في المنطقة الشرقية من حلب ووقعوا في أيدي السلطات السورية بعد تحريرها.

بعد كل هذه الوقائع، يصعب الاستنتاج إننا أمام استدارة تركية كافية للقول إن أردوغان بدأ يكفر عن خطاياه، والطريق إلى ذلك سهل جداً، إذ يكفي أن يغلق حدوده مع سورية ويمنع تهريب المقاتلين والمرتزقة والسلاح إليها.

الولايات المتحدة ، التي تشهد الآن عملية استلام السلطة وتسليمها بين (أوباما) و(ترامب)، هي أيضاً تعاني من تناقضات ليست سهلة الحل. فالرئيس (أوباما) يغادر البيت الأيض وهو مطعون كبريائه بسبب استبعاده من الاتفاق الثلاثي ومن التحضير لاجتماع الاستانا، وهو تطور ذو مغزى كبير، إنه الدلالة والشاهد على أن أمريكا لم تعد متربعة على عرش العالم.

فهي لا تستطيع أن تهاجم ذلك الاتفاق لأنه يأتي في إطار الحل السياسي الذي أطلقته قرارات مجلس الأمن الدولي، والابتعاد عنه كثيراً سيجعل روسيا تستفرد في قطف ثمراته، إذ ليس من مصلحتها السماح لروسيا بجعل اجتماع (الأستانا) يعتقد دون رعايتها، وبذلك يكون الدور القيادي الروسي في الأزمة السورية قد تكرّس تماماً، وهذا ما تخشاه أمريكا، لذلك فهي تشجع الأطراف المتضررة من هذا الاجتماع أن يعملوا لعرقلته، إن تبنّي أمريكا لجبهة (النصرة) وهو عمل سياسي منحط، يدل دلالة واضحة على أن مصدر العقبات التي تظهر يومياً وارتفاع معدل العمليات الأمنية في الأيام الأخيرة يصعب في إطار محاولة تفشيل اجتماع (الأستانا).

إن الشعب السوري يترقب بتفاؤل حذر الاجتماعات القادمة في كازاخستان، ويأمل أن ترسم هذه الاجتماعات الخطوات اللاحقة للحل السياسي، بما يتفق مع ما يجمع عليه السوريون، الذين دفعوا كثيراً ثمن وحدة بلادهم واستقلالها ، وهم سيناضلون من خلال الحل السياسي بالمبدئية نفسها والحزم ذاته الذي قاتلوا به المعتدين والمرتزقة.

العدد 1105 - 01/5/2024