موجات الهجرة الجديدة

 الحديث عن هجرة شباب سورية وكهولها هو حديث الساعة، خاصة ما يتناقله الناس في شرقي المتوسط وأوربا من أخبار (الموت بالجملة والمفرّق) على شواطئ بحار تركيا وفي الجزر اليونانية وعلى الحدود الصربية. وعن (تجار الهجرة وسماسرة الموت وشبكات المافيات)، أصحاب زوارق الرحيل الأبدي المتاجرون بالأرواح البشرية.. أضف إليهم قراصنة البحار وعمولات الانتقال والرشا ومخاطر الوصول إلى بلاد النعيم والأحلام الوردية، التي تزهر وتفوح منها رائحة (الأمان الاستقرار).

لقد حبل (الربيع العربي) وأنجب المآسي والدمار وتشتت الأسر السورية والموت، وكل ما يَعْلَق على الألسنة من موبقات هذا (الربيع)، الذي تحوَّل من فصل جميل إلى فصل يحمل الشرور إلى دول المنطقة.

إن موجات الهجرة التي بدأت خطوتها الأولى عام ،2011 وما تزال تتزايد أعداد المهاجرين وتترك خلفها نتائج الفقد والتشتت والإذلال.. وهي في النتيجة تحقق لأوربا العجوز الفتوة وتستعيد شبابها من جهة، وتحدث خللاً حاداً في التوازن الاجتماعي أو الديمغرافي في سورية بين الذكور والإناث من جهة ثانية.

وتستقطب أوربا الشباب كقوة عاملة وتسرق العقول من باحثين ومفكرين ومبدعين. وبدأت النتائج السلبية تنعكس بصورة واضحة في سورية على الحياة الصحية والتعليمية والسياسية، والعمرية، بعد أن هاجر مئات ألوف الأطباء والمهندسين والفنيين والأيدي العاملة، وكثيرون ممن لم تتوفر لهم تكاليف الرحيل باعوا منازلهم وأراضيهم ومزارعهم وأثاث بيوتهم وأمَّنوا لأبنائهم المال اللازم للهجرة. وكثيرون أيضاً تركوا أعمالهم ووظائفهم وتعويضاتهم وركبوا في زوارق البحار وغرق بعضهم، ومات آخرون على الشواطئ من سياسة الإذلال التي مورست ضدهم وبددت الكثير من أحلام الصيف والـ (الربيع العربي المهجَّن وهابياً – إخوانياً – عثمانياً).. وهناك من ألقى أبناءه في البحر ولم يستطع حمل جثثهم إلى اليابسة ودفنهم فيها.. وآخرون ضيّعوا أطفالهم .. وأصدقاء تخلّوا عن بعضهم وتوزعوا في أركان المعمورة.

ولم يعد أحد يثق بأحدٍ، وحتى المواطن العادي الذي يحمل الأمل على جناحيه ويتكل على الله، وهو المؤمن أكثر من غيره خابت ظنونه وهجر الأمل حناياه وخلاياه وقد أصيب بانخفاض الضغط وربما دخل في غيبوبة طويلة.وبيّنت الإحصائيات أن 17 مليوناً من سورية والعراق وليبيا هاجروا إلى أوربا وأمريكا وغيرهما.. وأن 33 مليون مهاجر في داخل الدول الثلاث لم يحدث في تاريخ الحروب والهجرات مثيل لها. وأن 35 ألف مهاجر خاطروا بحياتهم وهم يعبرون البحار للوصول إلى إيطاليا ومالطا عام ،2013 مات منهم 700 شخص.. وغرق 3224 شخصاً عام 2014 . ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة هاجر من سورية (بشكل طبيعي (رسمي) أو عن طريق المهربين) نحو 7,5 ملايين ونصف المليون.. وهذا يعني أن ثلث السوريين منذ عام 2012 غادروا سورية التي أصبحت أكبر مُصدّر للاجئين في العالم، ومن أسوأ حالة الطوارئ الإنسانية طيلة أكثر من أربعة عقود.

ولم تشهد أوربا مثل هذه الموجات البشرية منذ الحرب العالمية الثانية. وقد انتابتها حالة من السخط والخوف بسبب هذا التدفق البشري غير المسبوق. ووصفت الصحف البريطانية هذه الموجات البشرية العابرة لحدود الدول، بدءاً من تركيا إلى اليونان ومقدونيا وصربيا حتى ألمانيا وهولندا والسويد وفنلندة وغيرها بـ(أكبر هجرة في العالم).

إنّ الهجرة إلى السويد قد حققت قفزة كبيرة وكانت محطة لجوء آمنة للسوريين والعرب. ففي عام 2011 تلقى مجلس الهجرة السويدي 29648 طلب لجوء من بلدان العالم، منها 9725 من البلاد العربية، و640 طلباً للسوريين. وفي عام 2012 وصل عدد طلبات الهجرة إلى ،43887 منها 19598 من البلاد العربية، ومن السوريين 7814 طلباً أي 18 في المئة.

وفي عام 2013 بلغ عدد الطلبات ،54259 ومن البلاد العربية 29662 طلباً، ومن سورية وحدها 16317 أي 30 في المئة. أما في عام 2014 فبلغ عدد طلبات الهجرة ،81301 ومن البلاد العربية 53843 طلباً، ومن سورية بلغ العدد 30583 أي 38 في المئة. وفي النصف الأول من عام ،2015 بلغ عدد الطلبات 28967 طلباً. وكانت النسبة الكبرى من السوريين فبلغ العدد 7437 أي 26 في المئة.

أصبحت خطة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة واضحة ومكشوفة، لتهجير أكبر عدد من السوريين الذين يلاقون التشجيع من أوساط مختلفة، في الداخل السوري أيضاً، خاصة من الذين يأملون بإطالة عمر الأزمة، كونهم من تجار الحروب والأزمات، بهدف تحقيق الربح وجمع المليارات. لذلك المطلوب من الحكومة وضع الضوابط للهجرة كي لا تخسر شباب المستقبل وهذه السواعد والعقول..فهم مستقبل سورية الحديثة المتطورة والمزدهرة.

(نُشرت في (الأسبوع الأدبي) 13/9/2015)

العدد 1104 - 24/4/2024