هل تستكمل مسيرة أستانا في جنيف؟

في جو ليس من الخطأ اعتباره يحمل بذور التفاؤل، تنعقد جلسة جنيف 4 في 20/2/2017 بعد أن حقق اجتماع أستانا بعض الخطوات العملية على طريق البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، ويفترض أن يكون اجتماع 20/2/2017 مكرساً لإيجاد آلية ثلاثية (روسية- إيرانية- تركية) للإشراف على وقف إطلاق النار، والتدقيق في أن العمليات العسكرية لمحاربة الإرهاب إنما تسير في الاتجاه الصحيح.

لدى الخوض في غمار هذه المسألة والتوقع بشأنها نقف عند عناصر لا يُطمأن لها ولا يمكن الجزم بأنها ستكون مخلصة لمكافحة الإرهاب على النطاق السوري، فمن قال إن تركيا مثلاً، وهي المسؤول الأول عن تكوين هذا الحشد الإرهابي الكبير الذي نفّذ مخطط العدوان على سورية بهذا الشكل من الوحشية، ستساهم فعلياً في القضاء عليه؟ ومن قال إن أردوغان قد تخلى عن حلمه الإمبراطوري العثماني، فهو ما يزال يحلم بابتلاع سورية التي تحولت إلى شوكة في حلقه؟

المتتبعون للشأن التركي الداخلي الذين يؤكدون هذه التخوفات يقولون بالمقابل إن الوضع داخل تركيا هو على حافة الانهيار في كل الميادين، وإن (نصف تركيا) قد أودع في السجون أو سرح من عمله أو قتل تحت التعذيب، وإن الخطوات الحثيثة التي يخطوها أردوغان نحو الديكتاتورية الفردية لن تنفع في انتشاله من المستنقع الآسن الذي وقع فيه، فأساء إلى بلاده وإلى جيرانه جميعاً الذين ينتظرون ساعة الخلاص منه بفارغ الصبر.

ففي مثل حالة أردوغان الآن، يستحيل عليه أن يخوض غمار معركة عسكرية لا يعرف مداها ونتائجها، وإن الخيار الوحيد أمامه هو الاستفادة من السياسة الروسية، واسعة الأفق، لتحقيق استدارة تدريجية نحو روسيا وإيران، والانخراط في المبادرات القائمة حالياً (أستانا وجنيف) التي تستفيد منها سورية لوضع حد لتسلل الإرهابيين إليها. وفي بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تهب عليها الآن عاصفة من الجنون وعدم الاستقرار، يقودها رئيس لم يمض على انتخابه عدة أيام حتى أطلق شرارة الحرب والصراع مع معظم بلدان العالم: المكسيك، أستراليا، إيران، أوربا، الصين، فلسطين، أجل في مثل هذه الحالة يستحيل الركون إلى السياسة الأمريكية الجديدة في عهده حتى ولو أبدى بعض الإشارات حول رغبته في التعاون مع روسيا، لإعطاء مكافحة الإرهاب الأولوية في سياسة في الشرق الأوسط وخاصة حيال سورية التي أعرب عن استعداده للتعاون معها عسكرياً ضد (داعش) ولكنه، في الوقت نفسه، يصرح بأنه على أتم الاستعداد للسير بأي خطوة تؤدي إلى إبعاد سورية عن إيران، وهو يخوض معركة قاسية الآن لإلغاء الاتفاق النووي الإيراني- الأمريكي، ما قد يهدد بنشوب حرب إقليمية جديدة قد تتسع لتصبح حرباً عالمية، إذا تمادى الرئيس ترامب في حماقته هذه.

 إذاً، هل يمكن الركون إلى سياسة (التهدئة) الأمريكية الجديدة تجاه سورية وتجاه اجتماع جنيف القادم؟ وهل يُستبعد أن يغير هذا الـ(ترامب) مناخ الحل السياسي المرتقب ويشعل نار عدوان أو حرب على إيران من أجل خربطة الأوراق وتغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، خاصة إذا تذكرنا عمق الصداقة والمحبة التي تجمعه بإسرائيل ووعوده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والتنسيق المحتمل مع إسرائيل التي تبدي استعداداً للتدخل المباشر والمفضوح إلى جانبها في المعركة الدائرة بينها وبين سورية.

أما السعودية التي التزمت الصمت المطبق تجاه اجتماع أستانا، فقد شعرت أن زمام الأمور قد أفلت من يديها ولم تجد سوى الرضوخ لسياسة ترامب الجديدة تجاه المهاجرين ودخول رعايا بعض البلدان إليها، والتي أثارت العالم غضباً على العنصرية الجديدة، وكذلك الموافقة على الخطة الغامضة التي اقترحها (ترامب) لإنشاء مناطق آمنة على الحدود السورية- التركية، وعلى تمويل هذه الخطة.

كل ما ذكر لا يهدف إلى إضفاء جو من التشاؤم على المباحثات القادمة في جنيف، بل لتقدير الموقف على نحو موضوعي وتبيان الصعوبات المنتظرة، ولكن الصورة ليست كلها هكذا، فمن يتذكر التكالب الإرهابي على بلادنا منذ خمسة أعوام ويقارنه بما هو عليه الموقف الميداني الآن، فستزداد لديه الثقة والاعتزاز ببطولة الجيش العربي السوري وحلفائه وأصدقائه، ومن يتذكر أيضاً أسرار العزلة والمقاطعة والحصار الذي ضرب على سورية شعباً ووطناً، ويقارن ذلك بالتفكك الحاصل الآن في مواقف معظم دول العالم وخاصة أمريكا وأوربا، فسيدرك حجم التقدم الذي أحرزته مواقف الدولة السورية.

إن كل ذلك لم يحصل عبثاً، وعومل النصر على المخططات الرأسمالية العالمية وعلى مخططات الإرهابيين وبعض الدول الإقليمية، ما تزال قائمة، وبها يجب أن يتسلح الوفد العربي السوري، مع قناعتنا أنه بمقدار ما تكون خطوات الإصلاح السياسي والاقتصادي في الداخل السوري أقوى وأسرع، يكون موقف المفاوضين السوريين في جنيف أو غيرها، أكثر قوة.

 

العدد 1105 - 01/5/2024