تحالف جديد لمحاربة الإرهاب

دخل الشرق الأوسط بعد خطاب الرئيس الروسي في الدورة السبعين للأمم المتحدة، وبعد لقاء القمة بين أوباما وبوتين مرحلة سياسية جديدة.

حققت السياسة الروسية نجاحاً في استقطاب الرأي العام، وفي تبديد حلم واشنطن في التفرد بالقرارات الدولية، باعتبارها (وحيد القرن) والدولة الإمبريالية المهيمنة على السياسة الدولية. وأصبحت موسكو محطة سياسية هامة، ومركزاً دولياً للقاءات رؤساء وملوك وقوى سياسية  ووفود حكومية عديدة، وأحدثت تغيراً في الاستراتيجية الأمريكية والأوربية المتمثلة في التحالف الدولي، بتقديمها المبادرات السياسية، لإيجاد الحل السياسي العادل للأزمات العربية وفي المقدمة الأزمة السورية. ورحبت معظم دول التحالف الدولي بمبادرة بوتين بعد أن هبَّت رياح الإرهاب عليها. ويرى الرئيس الروسي أن تحالفاً واسعاً لمحاربة تنظيم (داعش) الإرهابي، يشبه التحالف ضد النازية، وأن الجيش العربي السوري ووحدات حماية الشعب هي الأطراف الوحيدة التي تقاتل الإرهاب على الأرض السورية. واعتبر أن الوسيلة الوحيدة لإنهاء الحرب في سورية هي دعم الرئيس بشار الأسد في معركته ضد الإرهاب، وهو مايشكل المدخل لحل الأزمة السورية.

لقد خرجت أوربا عن الخطوط الحمر الأمريكية وعبرّت بلسان المسؤولين في حكوماتها عن موقف إيجابي من المبادرة الروسية. أما كيري فقال: إن لدى واشنطن وموسكو مواقف مشتركة بشأن مفاتيح الحل في سورية، داعياً إلى حوار فوري مع موسكو بهذا الشأن.

وفعَّلت موسكو مواقفها على المستويين (السياسي والعسكري)، فمقابل الحراك الدبلوماسي الواسع ولقاء المسؤولين الروس مع رؤساء وسياسيين وقوى معارضة وتيارات متباينة التوجهات تحضيراً لموسكو3 ثم الانتقال إلى جنيف،3 ارتقى التعاون العسكري وما يزال الجسر الجوي بين روسياوسورية يثير الكثير من التساؤلات والتخوفات والاحتمالات، خاصة بعد الإعلان عن (أربعة زائد واحد). وتشكيل مركز في بغداد يعمل في اتجاهين: جمع المعلومات عن جميع التنظيمات المسلحة الإرهابية في سورية والعراق من جهة، وتزويد الجيش العربي السوري بالأسلحة والأجهزة الحربية المتطورة وسلاح الجو لمحاربتها والقضاء عليها من جهة ثانية.

لقد انتهت الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وحُلَّ حلف وارسو، وظلت الولايات المتحدة الدولة المهيمنة الوحيدة التي تتبع سياسة مزدوجة، تحمل الكثير من الكذب وتزوير الحقائق على مرّ العقود، إلى أن ظهرت الصين وروسيا ودول (البريكس) في الساحة الدولية، وراحت تعمل من أجل إيجاد التعددية السياسية الدولية، ورفضت  العمل المنفرد لتقرير مصير الدول والشعوب. وقد برزت محاولات أوربية (فرنسية وبريطانية) خاصة، لتشكيل (مركز هيمنة جديدة) ووضع خريطة لحل الأزمات في الشرق الأوسط كما ترغب أوربا، على ألاَّ يشكل هذا الحل ضرراً بمصالحها في المنطقة.

وكان 30 أيلول، بعد خطاب بوتين بيومين بداية تنفيذ سلاح الجو الروسي أولى غاراته في الأراضي السورية.. يوماً جديداً وشكَّل قوة صلبة في التحالف الروسي – السوري، وفي إقامة تحالف جديد في المنطقة يضم إيران وروسيا وسورية والعراق، أطلق عليه (4 +1). وأمام ما يجري من تطور على الأرض وفي الجو، ظهر تخوّف الولايات المتحدة والدول المغذية للإرهاب، وتخبّط واضح في السياسة الأوربية، ورغم ذلك رحَّبت واشنطن بالضربات الروسية (إذا كان هدفها هزيمة تنظيم (داعش)) كما قال كيري. أما وزير الدفاع الأمريكي فيرى: (أن الاستراتيجية الروسية تصب الزيت على النار).

واستقبل خطاب بوتين في الأمم المتحدة بالتفهم لسياسة روسيا، التي تعمل على إيقاف المد الإرهابي ومحاربته قبل أن يرتد إليها وإلى دول الاتحاد الأوربي.

ويرى بوتين أن المراد من هذا الاجتماع هو تحليل التهديدات المحدقة بمنطقة الشرق الأوسط. وأن روسيا تقترح بحث إمكانية التوصل إلى صياغة قرار لمجلس الأمن بشأن تنسيق جهود جميع القوى المناهضة لتنظيم (الدولة الإسلامية) وجماعات إرهابية أخرى.

وكشف لافروف ما لم يعلن عنه بوتين في لقاء القمة.. وقال: (إن تشكيل قيادة موحدة للقوات المناهضة لتنظيم (داعش) أمر غير واقعي). ورغم المسافة الشائكة بين الموقفين (الروسي والأمريكي) وتقصيرها وتضييق مساحة التنافر بينهما وما حصل من (تجاذبات سياسية معقدة) في السنوات الأربع الماضية، إلاَّ أن تقارباً روسياً أمريكياً نتج عنه توافق أوليّ لحل الأزمة السورية. ومن النقاط المتفق عليها:(ضرورة التصدي لـ (داعش) – إجراء محادثات بين جيشي البلدين – بقاء سورية موحدة – عدم إسقاط الدولة السورية.. وغيرها).

العدد 1104 - 24/4/2024