قيم سائدة شوهتها الحرب
وعد حسون نصر:
كل مجتمع يحمل مورثاته وقيمه من جيل لآخر، وكلُّ جيل يأخذ منها ما يناسبه ويترك ما لا يناسبه، ولكن تبقى هناك قيم أساسية يتفق عليها الجميع كالسرقة والقمار، والاغتصاب والقتل وغيرها الكثير من القيم الخاطئة والمرفوضة بالمطلق من الفرد والمجتمع.
إلاّ أنه مع نشوب الحرب وما خلّفته من أزمات أخلاقية حتى أصبحت بعض المفاهيم المرفوضةِ تلقائياً هي السائدة، لا بل يتحدث البعض عنها مبررين لأنفسهم تصرفاتهم وتشوّه قيمهم، انطلاقاً من أن الغاية مبرر للوسيلة، لذلك بات الجوع مبرراً للسرقة وغيرها، والقتل عمداً ثأراً لخلافات قديمة مبرراً للدفاع عن النفس. كما سادت حالة من الفوضى العارمة التي تُبررها الظروف الصعبة التي فرضتها الحرب، حتى الرحمة والشفقة باتت بلغة الحرب طيبة قلب رعناء! لقد اختلفت المفاهيم في ظلّ العنف وبات جيل بأكمله ضائعاً بين العيب والحرام، وبين الأخلاق والفضيلة.. نحن لا نريد مدينة أفلاطون بكل فضائلها، لكننا نريد جيلاً سليماً مقتنعاً أن هناك تصرفات وسلوكيات صحيحة متفقاً عليها من الجميع، وموروثاً يجب أن تنقله تلك الأجيال معها من حقبة إلى أخرى، وأن قيمنا ليست موضة مجرد أن بطلت ننزعها عنا لتُرمى في القمامة. فلا يمكن لي أن أبرر الدعارة على أنها غاية لتأمين مستلزماتي المادية، وأطرحها على أنها مقبولة وأفرض رأيي على الجميع بأنه صحيح رغم بشاعة السلوك، فهنالك طرق كثيرة سليمة يمكن من خلالها تأمين حاجاتي المادية دونما جعل جسدي هو الوسيلة، وهذا ينطبق على السلوكيات الخاطئة الأخرى، إلاّ أن شبابنا لم يعودوا في ظلّ أزمتهم الأخلاقية قادرين على التمييز بين الأخلاق والانحلال الخلقي. فلكل سلوك غاية تبرره حتى سقطت القيم في مستنقع من القذارة الفكرية شوّهت جيلاً بأكمله تحت سماء حربنا، وزدنا نحن عليها التشوه بمقولة (إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب)! وبتنا جميعاً ذئاباً لم يعد بيننا حمل وديع.
هذا ما صنعته الحرب وفرضه علينا مرتزقتها وتُجّارها، فهدمت الدولة وضاعت بضياع أجيالها، ونام أفلاطون على حطام مدينته الفاضلة، وحتى ابن خلدون لم يستطيع نفض الغبار عن كتاب التاريخ، وسقطت القيم تحت حطام التاريخ على جدران قلعة جُلّق مع بزوغ فجر شعارات خطّها تجار الحروب على جدران قلعة الصمود، فضعنا بين الكلمات ونسينا جوهرها وصارت الإنسانية والأخلاق والقيم خارجها، والشكل يحتل المضمون.