الأمن والأمان ركائز أساسية للنهوض بالدولة والمجتمع

إيمان أحمد ونوس:

على مرّ التاريخ، يُشكّل توأما الأمن والأمان ركيزةً هامة وأساسية في حياة جميع البشر، مثلما يشكلان أهم أُسس تشكيل الدول واستقرار المجتمعات، في ظلّ حكومات تسير وفق خارطة طريق تحفظ بدايةً كرامة الإنسان وحقه في أبسط مستلزمات العيش الآمن، سواء لجهة الأمان والطمأنينة التي يشعر بها الإنسان، أو لجهة توفير مستلزمات الأمن على مختلف مستوياته، لاسيما الأمن الغذائي والصحي وما شابه. في الوقت ذاته، يُشكّل الأمن والأمان عامل استقرار نفسي مادّيّ ومعنويّ يُبدع من خلاله الفكر والمخيلة البشرية، فتزدهر البلدان وتتقدم المجتمعات الإنسانية، فتغتني الحياة بل اتجاهاتها، وترتقي الحضارة بجميع علومها ومجالاتها.

لذا، فإن فقدان هذين العنصرين يؤدي حتماً إلى انتشار الخوف والقلق وعدم الثقة والاستقرار بين الناس بعضهم ببعض من جهة، وبينهم وبين الحكومة من جهة أخرى، وهذا ما يؤدي بالطبع إلى انتشار الكثير من مظاهر الجريمة والفساد، وبالتالي تخلّف المجتمع بكل مكوناته وشرائحه بسبب عرقلة مسيرة الحياة الشخصية والعامة عن أيّ فعل جاد مُثمر وبنّاء، إضافة إلى إعاقة الفكر والتفكير بمستقبل واعد بسبب حاضر غير آمن لا يفسح مجالاً للأمل.

في سورية، وبعد ما يزيد عن عقدٍ من عمر الأزمة التي تحوَلت إلى حرب كارثية استباحت حياة السوريين عموماً، وبات الجميع على مختلف انتماءاتهم وبلداتهم في حالة مأساوية من القلق والرعب والترقّب المشوب بالحذر في كل حركة أو خطوة يقوم بها الفرد، أو حتى كلمة يتفوّه بها بعفوية مطلقة أحياناً ربما تقوده إلى التهلكة أو الفقدان أو حتى الموت بلا أدنى محاسبة أو مسؤولية من أيّة جهة كانت رسمية أم غير رسمية.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدّاه إلى مختلف نواحي الحياة اليومية للناس، وكثيرة هي عمليات النصب والسرقة والاحتيال التي وجدت في الوضع السائد تربةً خصبة لها وبلا أدنى ملاحقة قانونية تُذكر. فكم من حالات سطو مسلّح تعرض لها مواطنون كُثُر، وربما بالقرب من أقسام الشرطة أو مراكز ومؤسسات ودوائر رسمية مُحاطة بالحراسة الأمنية المُشدّدة، وكم هي كثيرة عمليات النشل والسلب، خاصة تلك التي كانت تجري على الطرقات الدولية بين المحافظات، وبعضها من قبل حواجز كان يُفترض بها حماية الناس. كذلك انتشار ظاهرة الخطف بقصد الانتقام أو طلب الفدية. يُضاف إليها الكثير من جرائم القتل التي قُيّدَ بعضها ضدّ مجهول. وإذا ما أردنا استذكار العديد من الانتهاكات التي كانت مورست بحق المواطنين كالاستيلاء على أملاكهم وأموالهم مثلاً، فإن القائمة ستطول وتطول عن آلام وأوجاع وقهر غالبية السوريين بسبب الفساد الذي تطاول واستشرى، فكان أحد أهم أسباب الاحتجاجات الشعبية التي قامت في العديد من المحافظات والمدن والبلدات، إضافة إلى العديد من المشكلات العميقة والجذرية في حياة السوريين التي أدّت إلى تلاشي الكثير من مقوّمات الأمن والأمان بما يتضمنان من مقومات الحياة الكريمة للمواطنين في بلد يُفترض بحكوماته أن تكون تحت الدستور وتشريعاته.

اليوم، أول ما كان ينشده وينتظره عموم السوريين، هي الحرية بكل تجلياتها وأبعادها، حرية معمّدة بالأمان المفقود منذ عقود على مختلف المستويات الشخصية والمهنية …الخ، وكذلك الأمن الذي يمنح الناس الاستقرار والطمأنينة خلال ممارسة حياتها اليومية وأنشطتها المختلفة.

لكن ما الذي حصل؟ وكيف عاد القلق على لقمة العيش لدى غالبية الناس؟

السبب باعتقادي يكمن في افتقاد الكثيرين لبعض أمان حتى لو كان أماناً وهمياً تمنحهم إياه وظائفهم على تدني أجورها، ليجدوا أنفسهم بعد أسابيع قليلة من سقوط النظام على قارعة الطريق بلا عمل ولا أجر يستر عوراتهم التي ستتفاقم حتماً، يُضاف إليهم أولئك الذين لم يستلموا رواتبهم حتى اليوم، وكذلك فئة المتقاعدين التي جرى استثناؤها من الزيادة الموعودة على الرواتب والأجور، فضلاً عن عناصر الجيش السوري، وقوى الأمن الداخلي الذين جرى تسريحهم وتركهم لمصير مجهول تتقاذفهم رياح الخوف والخيبة والقلق على لقمة أطفالهم وتعليمهم الذي أصبح حتى اللحظة في خبر كان. كل هذا بسبب إجراءات وقرارات عشوائية تفتقد للمستند القانوني، ذلك أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، ولا يحق لها اتخاذ إجراءات وقرارات مهما كانت بسيطة، فكيف بتلك المتعلقة بأمان المواطنين وأمنهم، في بلد يرزح 90% من سكانه تحت خط الفقر.

إن هذه الإجراءات العشوائية والتعسفية، لا شكّ أنها ستقود إلى كوارث اجتماعية وأخلاقية وأمنية رهيبة، وربما تقود إلى احتجاجات متزايدة إن لم يكن التعامل معها بعقلانية، وضرورة العودة عنها ريثما يجري انتخاب حكومة مؤقتة تنظر في العديد من المسائل والمشاكل العالقة وفق الدستور والقوانين التي ستنظم حياة كل السوريين بلا استثناء.

العدد 1140 - 22/01/2025