ما بقي من القيم بعض الكرامة؟!
حسن البني:
القيم الأخلاقية في أي مجتمع تُعتبر من الأساسيات التي تقوم عليها الحضارات والأمم، فهي تسعى للإجابة عن الأسئلة التي تتناول المفاهيم الأخلاقية لدى البشر، مثل الخير والشر، الصواب والخطأ، الفضيلة والرذيلة، العدالة والجريمة، فهي المواقف أو السلوكيات التي تمنح الأولوية للقيم الاجتماعية والأخلاقية التي تعني القرار العقلاني والنموذجي والمثالي القائم على الحسّ السليم. لكن هناك العديد من التحديّات التي تواجه الثوابت منها مثل الأمانة والوفاء والصدق في مجتمعنا المحلي، فعاداتنا وتقاليدنا التي نشأ عليها أجدادنا وأسلافنا السابقون، لم تخلُ أبداً من هذه القيم، وذلك من باب المسؤولية الأخلاقية، فهي ليست مقصورة على سلوك الإنسان فحسب، بل تتعلق بعلاقته مع خالقه، باعتبارها مسؤولية ذاتية أمام الضمير والمجتمع، وهي ثابتة لا تتغير، تمارسها قوة ذاتية تتعلق بضمير الإنسان الذي هو سلطته الأولى. ومع تطور العصر والأحداث والحروب على مرّ الأزمان والتاريخ، أصبحت هذه القيم على شفير الانقراض والاندثار، فما كان في الماضي يُمثّل قيوداً لا يمكن الحيد عنها، غدت اليوم مجرد قصص وحكم وأمثال تُروى للصغار على أمل اتخاذها قدوة وعظة شفهية لا أكثر. والملاحظ في الوقت الراهن وفي ظلّ الحرب الصعبة التي مرّت بنا ظهور حالة انفصام حاد عما تعودنا وتربينا عليه من أخلاقيات، فما بذل أجدادنا من أجله الرخيص والغالي لغرسه فينا، لم يعد له وجود على أرض الواقع، وبتنا الآن نُقيّد الأمانة بالخيانة، والوفاء بالحقد والجفاء، وعدو الصدق بالكذب والنفاق، والعيب على من يَصْدُقْ فينا ف(الكذب ملح الرجال)، كما يقولون!!.
فالأزمات والحروب أصبحت مبرراً لتغيير المعتقدات والاتجاهات الوطنية والأخلاقية والاجتماعية، حتى أنها امتدت حالياً لتشمل الجوانب المعرفية والثقافية، فدول العالم التي استطاعت التقدم ومواكبة العصر في وقت قصير نسبياً، لم تتخلَ عن قيمها لتصل لهذا الهدف كما تعتقد بعض دول العالم الثالث، بل على العكس، حافظت ومزجت قيمها مع روح العصر الراهن وساهمت في تعزيز ودعم صورتها في نظر النشء الجديد وأقوى مثال على ذلك، اليابان التي تُعدُّ من أكثر دول العالم تمسكاً بالأخلاقيات والقيم سواء في الحياة العامة أو المهنية، فالاعتقاد العلمي السائد، أن هذه القيم لو لم تكن ملائمة للإنسانية، لما تمكّنت من تقويم سلوك الإنسان، وتحويله من إنسان الغاب والعصر الحجري إلى التحضّر والتقدم. وبالقياس مع مجتمعنا، فإن ما بقي من قيم هو الحفاظ على بعض الكرامة التي أصبح المواطن يفتقد إليها هذه الأيام في وجه شظف المعيشة الصعبة والقاسية، فهو يلهث وراء لقمة عيشه، وقد يصمت على المساس بكرامته مُكرهاً لتأمين أبسط مستلزمات الحياة لنفسه ولعائلته. إننا نجد أنفسنا في مواجهة معضلة أخلاقية، ما يجبرنا على تغيير السائد من القيم وإدخال ضمائرنا في سبات عميق لتحقيق الرغبات الإنسانية الفانية، وإشباع الحاجات التي لا تنتهي، وهو الهدف الذي يسعى الغرب لتحقيقه، فنحن دول مُستهلكة لما يُنتجون، في حين أنهم شعوب متحضّرة ومتقدمة، بينما نحن شعوب تعيش في الجهل والتخلف، وهذا ما يُخيف ويُقلق المستقبل؟!