هل الأخلاق أسمى أم القانون؟
إيمان أحمد ونوس:
الفرح الذي عاشه غالبية السوريين برحيل النظام البائد، اغتالته وبفجاجة قرارات ارتجالية وغير قانونية من قبل الإدارة الجديدة للبلاد، والتي يُفترض أنها حكومة تسيير أعمال لا أكثر.! وما يُدلّل على الارتجالية في تلك القرارات أنها بلا رقم أو تاريخ أو ختم رسمي، والأفظع أنها تمسُّ كرامة الناس ومعيشتهم، لأنها تتعلق بحق العمل لأجل الحصول على لقمة العيش. قرارات متسرّعة طالت العديد من العاملين في القطاع العام وتسريحهم من عملهم بذريعة أنهم عمالة فائضة أو غير مؤهلة وغيرها الكثير من الذرائع. كذلك عدم تشميل المتقاعدين بالزيادة الموعودة على الرواتب والأجور.!
معلوم تماماً أن العمل حق مشروع لكل مواطن يكفله الدستور كما هو وارد في المادة 40 والتي تنص على:
1- العمل حق لكل مواطن وواجب عليه، وتعمل الدولة على توفيره لجميع المواطنين، ويتولى القانون تنظيم العمل وشروطه وحقوق العمال.
2- لكل عامل أجر عادل حسب نوعية العمل ومردوده، على أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور الذي يضمن متطلبات الحياة المعيشية وتغيُرها.
3- تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعمال.
وبناءً عليه، لا يجوز تسريح عامل من عمله إلاّ بنص قانوني يوضح الأسباب الموجبة له كما في المادة 131 من قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004 والتي تنص على:
تنتهي خدمة العامل لأحد الأسباب التالية :
1- إتمام العامل الستين من العمر.
2- الاستقالة أو ما في حكمها.
3- التسريح لأسباب صحية.
4- ثبوت عدم صلاحية العامل المتمرن.
5- التسريح بسبب ضعف أداء العامل.
6- التسريح التأديبي.
7- الطرد.
8- الصرف من الخدمة.
9- الوفاة.
وكل حالة من هذه الحالات تتطلّب إجراءات قانونية واضحة تتضمن إخطار العامل وبشكل قانوني قبل شهرين من تنفيذ القرار باستثناء حالة الوفاة، وما عدا ذلك يُعتبر باطلاً يستدعي من العامل اللجوء للقضاء حسبما ينص قانون العمل حسبما أفادتنا المحامية رؤى رمضان والتي أوضحت لنا أن المادة 68 من قانون العاملين الأساسي تنص على بعض العقوبات الخفيفة التي تسبق عقوبة التسريح التأديبي مثلاً، كالتنبيه والانذار وتأخير الترفيع وغيرها، وفي حال الوصول لعقوبة التسريح التأديبي وتصفية حقوق العالم وفق القوانين النافذة. أما في عقوبة الطرد وفق المادة ذاتها، فهي الحرمان من الوظيفة حرماناً نهائياً، وتُصفّى حقوق العامل المطرود وفق القانون التأميني الذي يخضع له على أن يُحسم من المعاش أو التعويض المُستحق له مقدار الربع ويوزع الباقي على المستحقين عنه. وأضافت المحامية قائلة: أنه لا يجوز تطبيق هذه العقوبة إلاّ إذا كان قد حُكِم على العامل بجناية أو جنحة شائنة أو مُخلّة بالثقة العامة. وبالعموم فإن هذه العقوبات الشديدة يتم فرضها بحكم صادر عن المحكمة المسلكية ذات العلاقة، وتُنفّذ من الجهة التي تمارس حق التعيين.
رمضان: التسريح مخالف لأحكام قانون العاملين
وأفادت المحامية رؤى رمضان أن هذا التسريح مخالف لأحكام قانون العاملين الأساسي في الدولة والذي لم يصدر حتى اللحظة أي قانون مخالف له. وقد أبدت استغرابها من الاستعجال في اتخاذ هذه القرارات غير القانونية لأكثر من سبب، وتساءلت عن سبب عدم إعطاء هؤلاء العمال مهلة سنة مثلاً كي يتدبّروا أمرهم سواء برفع سوية الأداء أو إيجاد مصدر دخل آخر، وهذا ما يستدعي من العمال المُسرحين رفع دعوى قضائية أمام المحاكم المُختصة، وقد أبدت استعدادها لإقامة دعاوى جماعية باسم هؤلاء العمال أمام المحاكم المختصة وبدون أية تكاليف تترتّب على هذه الدعاوى.
أما بخصوص حرمان المتقاعدين من الزيادة الموعودة على الأجور والرواتب، فإن هذا القرار يُعتبر باطلاً لأنه مخالف للمادة 40 من الدستور كما هو وارد أعلاه، من حيث كفالة الدولة للضمان الصحي والاجتماعي للعمال. وأيضاً هو مخالف للقيم الإنسانية والأخلاقية التي تستوجب حماية شيخوخة الإنسان وكرامته، فالمتقاعدون اليوم يُعانون أساساً من تدني قيمة المعاش التقاعدي قياساً لاحتياجاتهم الصحية والمعيشية، فهم أساساً غير مشمولين بالضمان الصحي المفروض أن يشملهم كما كان خلال وجودهم بالخدمة.
زيتون: الراتب التقاعدي ليس منحة أو عطاء من أحد
الخبير المالي الأستاذ قاسم زيتون، المدير السابق للمصرف الصناعي السوري كتب على صفحته الشخصية ما يلي:
«الراتب التقاعدي ليس منحة أو عطاء من أحد، لا من القيادة ولا من الدولة السورية، وإنما هو حق مكتسب للمتقاعدين مدفوعٌ سلفاً من رواتبهم إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية عندما كانوا في الخدمة، وهي أموال خاصة وليست عامة. والقانون حدّد نسبة المعاش التقاعدي بـ 75% من آخر راتب تقاضاه العامل قبل إحالته على التقاعد. وتساءل: من الناحية الأخلاقية هل يجوز ترك المتقاعدين وشأنهم بدون دخل يكفيهم ويقيهم المرض وشظف العيش.؟ وهنا، يخطر ببالي سؤال كان يواجهنا خلال دراستنا للقانون وهو: هل الأخلاق أسمى أم القانون. وقد اتفق كل الفقهاء على أن الأخلاق هي الأسمى، وأن المواد القانونية مُستمدة أساساً من قواعد الأخلاق المتمثلة في العدالة والمساواة وصون الحقوق وبيان الواجبات، وبالتالي إذا تعارض أي نص قانوني مع قاعدة أخلاقية، فتعتبر القاعدة الأخلاقية واجبة التطبيق.»
لا شكّ أن عموم السوريين على مختلف شرائحهم، يستحقون الأفضل بعد سنوات من القهر والذل.. وسنبقى محكومون بالأمل لبناء سورية دولة مدنية حرة يتساوى جميع أبنائها في الحقوق والواجبات.