(سهل الغاب) بين سندان الحرب ومطرقة التغير المناخي!

فادي إلياس نصار:

كانت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدةFood and Agriculture Organization of the United Nations الـ (فاوFAO) قبل الحرب ترعى أكثر من عشرين قرية وبلدة في منطقة الغاب السورية، التي تقارن عادةً بهولندا من ناحية المساحة (140 ألف هكتار)، ومن ناحية خصوبة التربة، وفيما تغزو هولندا العالم بالمنتجات الزراعية والحيوانية، يخيم الفقر على سهل الغاب الذي يساهم بإنتاج محاصيل استراتيجية مثل القمح والشمندر السكري، إضافة الى القطن والتبغ، ويعتبر من المناطق الرائدة في سورية في تربية الأسماك والأبقار.

كان سهل الغاب بأراضيه المغمورة بالمياه، بمثابة مستنقع كبير، وبيئة غنية بالحياة، يعيش فيها وعليها آلاف الكائنات الحية، وحين جرى تجفيفه في سبعينيات القرن الماضي، بهدف توسيع رقعة الاراضي الصالحة للزراعة، ظهرت أكبر منطقة زراعية تتوسط سورية، ذات تربة سوداء غنية بالمعادن، صالحة لكل انواع الزراعات، إلا أن السفوح الغربية المتاخمة  لـ(الغاب) بقيت غابات حراجية كثيفة، وبيئة حاضنة للحياة البرية، الى أن أتت الحرب على سورية، فتعرضت هذه الغابات لحرائق عديدة، وصلت المساحات التي تعرضت للاحتراق إلى ما يقارب 2200 دونم، ومن ناحية أخرى قام السكان، ونتيجة قلة الوقود في البلاد بقطع آلاف الأشجار للتدفئة (الحطّابون)، دون أن يزرعوا غيرها، في حين أحرق تجار الفحم (الفحّامون)، الخاص بالاستخدام المنزلي آلاف الأشجار الأخرى، محولين إياها إلى سلعة تجارية، ومصدر من مصادر الدخل لديهم (الحطابون والفحّامون مهن ظهرت كأحد مفرزات الحرب فيما اختفت مهن أخرى، سأتطرق إلى هذا الموضوع في مقال آخر).

 

طعنة في ظهر الاقتصاد

إن حرائق الغابات وتجفيف المستنقع الكبير (الغاب) أحدثا تغيرات كارثية في التنوع الحيوي في سورية، فقد بدأت أسراب الطيور تختفي، فيما دخلت قطعان الغزلان، الخنازير والأرانب البرية، كما الدببة والنمور والثعالب وغيرها من حيوانات الغابة السورية، تحت لائحة الحيوانات المهددة بالانقراض، في حين ظهرت كائنات لم تكن موجودة سابقاً في منطقة السهل الغابي العظيم.

 

كارثة مزمنة

إذا كان سهل الغاب لا يزال يعاني من الكارثة البيئية التي سببها انفجار سدّ زيزون  أواخر القرن الماضي، فإن سيطرة الفصائل الإرهابية عام 2017  على بعض السدود الموجودة على الطرف الشرقي لسهل الغاب (أفاميا 1 و2 و3، وسد قسطون، وسد زيزون) في المنطقة وتخريبها بقصد ضرب الاقتصاد الوطني، أدت الى تعطيش أراضي السهل المزروعة بالقمح والشمندر أحياناً، وإغراقها بالمياه نتيجة فتح سدات مائية موجودة على الأنهار الموجودة في السهل، ( قام المسلحون بفتح المياه من بوابات القرقور لتصريف أكثر من 13 مليون متر مكعب من المياه العالقة، ما أدى إلى إغراق آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح والشعير).

يومذاك بدأ القلق لجهة تزويد المزروعات الصيفية يتعاظم، (ولايزال هذا القلق مستمراً)، بما تحتاج إليه من المياه، وذلك القلق يعود الى تدني نسبة تخزين المياه في السدود، الى حدود عشرين مليون متر مكعب من أصل 230 مليون متر مكعب.

 

التغيرات المناخية

أتت الحرب الهمجية على منطقة سهل الغاب التي تعد نموذجاً للتنوع البيئي، فأضرت بالحياة البرية، وأضعفت التنوع الحيوي والبيئي، كما تراجعت إنتاجية السكر من معمل السكر في منطقة سلحب (المتوقف حالياً)، إضافة الى كل ذلك تدنت الغلات الزراعية، وخصوصاً القمح والأقطان في جميع أنحاء السهل الواسع.

في حين تؤدي التغيرات المناخية التي تصيب الكوكب كله الى هطول أمطار غزيرة أحياناً في منطقة الغاب، فإن الحرارة المرتفعة مع الرطوبة العالية في بداية فصل الصيف، التي ظهرت في السنوات الأخيرة الماضية في السهل الواسع الكبير، قد تسببت بنفوق آلاف الأسماك (في مزارع الأسماك الاصطناعية التابعة للدولة، في منطقة أفاميا وقلعة المضيق وغيرها)، وانخفضت إنتاجية الأبقار الموجودة في مزارع الدولة (لحم – حليب) في بلدات تل سلحب، معردس، جورين وغيرها.

السهل الذي يرى المختصون أن تجفيفه كان كارثة بيئية كبيرة تسببت باتساع رقعة الأراضي الجافة في البادية السورية، (حسب مبدأ الأواني المستطرقة)، يتساءل سكانه الواقعون تحت مطرقة الحرب وسندان التغيرات المناخية: ما العمل؟

العدد 1105 - 01/5/2024