حوار الحزب.. وحوار الوطن

كتب رئيس التحرير:

منذ أن اكتشف الإنسان أن معارفه قاصرة عن إدراك تنوّع الحياة وغناها، لجأ إلى إشراك الآخر في اكتشاف سبل التطوير المستمر لمنظومة التفكير، والبحث بشكل دائم عما تفرضه الحياة من وقائع جديدة قد تُغيّر ما اعتقده بالأمس ثابتاً أبداً، وأن تباين الآراء والمواقف إزاء مسألة ما ليست إلا تعبيراً عن التنوع والاختلاف اللذين تفرضهما الحياة، وما كان للتطور الهائل الذي أنتجته البشرية سعياً إلى عالم أكثر تلبيةً لطموحات البشر أن يحصل ويستمر في خط صاعد لولا إدراكنا لأهمية الآخر.. واعترافنا بأن وجوده مساوٍ لوجودنا، وأن الحوار مع الآخر لا إلغاءه هو السمة التي تميز اليوم إنسانية الإنسان، وأصبحت لغة الحوار هي مطلب إنساني لعالم آمن تهدّده نزعةٌ مريضة إلى القوة والهيمنة وفرض الآراء، وتوصّل الناس في أرجاء العالم من خلال تجاربهم، إلى أن ما من معضلة تُحَلّ بالقوّة والتفرّد والسلاح، إلا ويمكن حلّها بالحوار الواعي المنفتح على الآخر.

نقول قولنا هذا، ونحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد، كنا أول من دعا إلى حوار وطني واسع وشامل بهدف التوافق على معالجة الأزمة السورية في بداياتها، وعندما تدخّل الخارج مستغِلّاً تباطؤ عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي، وسلّط إرهابيي العالم لغزو سورية، نادينا بالحوار الوطني للتوافق على تأمين مستلزمات الصمود السوري في مواجهة الإرهابيين، وبعد أن صمد شعبنا وجيشه الوطني وحرّر معظم الأرض السورية من سيطرة المجموعات الإرهابية، دعونا إلى الحوار الوطني بهدف توحيد كلمة السوريين لإنهاء الأزمة ومقاومة الاحتلال الصهيوني والأمريكي والتركي للأرض السورية، والعمل على إنجاح جهود التسوية السلمية للأزمة السورية، بالاستناد إلى الثوابت الوطنية المتمثلة بالسيادة وطرد المحتل ووحدة الأرض والشعب.

إن الحوار الحزبي الذي يقوده الرفيق الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي الدكتور بشار الأسد، والذي يتضمن عناوين تنظيمية وسياسية واجتماعية تمهيداً لاستحقاق قادم، لا يعني الرفاق البعثيين فقط، بل يعني الشعب السوري وقواه السياسية، داخل التحالف الجبهوي وخارجه، فحزب البعث العربي الاشتراكي يقود البلاد بصفته حزب الأغلبية البرلمانية، وتصويبُ مسيرته التنظيمية والسياسية والاقتصادية سينعكس على السياسات والممارسات التي تعالج الأوضاع السياسية والاجتماعية والمعيشية للمواطنين السوريين، بعد 12 عاماً من أزمة عاصفة ومحاولات لغزو البلاد وحصار اقتصادي ومعاناة معيشية أرهقت الشعب السوري ودفعته إلى هاوية الفقر، ونجاح الحزب في الاستحقاق القادم ورسم سياساته الملبّية لطموحات الشعب السوري، يعدّ نجاحاً لا للرفاق البعثيين وحدهم، بل لجميع القوى السياسية الوطنية في البلاد.

إننا في الحزب الشيوعي السوري الموحد، وفي الوقت الذي نبدي فيه تفاؤلنا بالحوار الجاري في حزب البعث العربي الاشتراكي، نأمل من الدكتور بشار الأسد بصفته رئيساً للبلاد، لا لحزب البعث فقط، بقيادة حوار وطني سوري سوري واسع وشامل، يضمّ جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية، بهدف التوافق على إنهاء الأزمة السورية عبر الحل السياسي بالاستناد إلى الثوابت الوطنية، ووضع الأوليات لإنهاض الحياة السياسية عبر إصلاح سياسي باتجاه الديمقراطية والتعددية، وإنعاش الاقتصاد الوطني بالاستناد إلى خطة حكومية شاملة يعدّها خبراء الاقتصاد السوري بمشاركة القطاع الخاص المنتج، ووضع الأسس لانطلاق عملية إعادة الإعمار، وإنهاء معاناة المواطنين السوريين المعيشية التي باتت تهدّد الاستقرار المجتمعي.. والوطني، ووضع حدّ للفساد الذي سيجهض، حسب اعتقادنا، أيّ توجّه نحو حلّ أزمات البلاد.

من حوار الحزب.. نحو حوار الوطن بأسره، هذا ما نتمنّاه من سيادة الرئيس!

العدد 1104 - 24/4/2024