واقع الموظفين اليوم بين ضغوطات الحياة والمردود الزهيد

د. عبادة دعدوش:

لطالما كانت الوظيفة هي أهم سبب للاستقرار سواء الوظيفي أو المادي، وهي الأساس الذي يتمكّن من خلاله الإنسان أن يُحقّق نتائج مثلى ومرضية، وأن يعيش حياة كريمة يستطيع فيها تأمين مستلزماته دون خوف ودون أعباء تُثقل كاهله. لكن في ظلِّ الظروف المعيشية الصعبة التي تمرُّ بها البلاد، والوضع الصعب الذي عاشه العالم من بعد جائحة كورونا وما تلاها من حروب وأزمات توالت على الشعوب العربية، خلّفت آثاراً كبيرة على اقتصاد العالم.

أصبحت الوظيفة اليوم حاجة، وأصبح الموظف أمام مسؤوليات كبيرة، لكن ما يتقاضاه من مردود زهيد بقي كما هو يكاد لا يكفيه لتأمين ربع ما يحتاجه، وهذا ما يجعله يقع في دوامة العمل بمكانين أو أكثر خلال 24 ساعة. ومع ذلك، وعند سؤاله عن حياته تراه غير سعيد يعمل فقط لأنه يحتاج للمال والعيش.

لذا يجب علينا اليوم أن نولي اهتماماً بالغاً للاستثمار الأمثل في الموظفين وحول مفهوم إدارة الموارد البشرية. فما نراه اليوم، وبعد تعدّد الشركات الخاصة وتنوعها، أصبح من المهم جداً الاعتناء بقسم إدارة الموارد البشرية فيها، ذلك القسم الحاضر ككيان، المُغيّب فعلياً نوعاً ما، فلا يُعطَى حقه كاملاً في تقديم العون والمساعدة للنهوض بإدارة الشركات.

لا شك في أنّ ما يحتاجه الموظف اليوم هو مكان مريح يمارس فيه عمله. لكن ما هو المكان المريح؟ ولماذا أصبح غير موجود في بيئات العمل؟

المكان المريح، هو المكان الذي يشعر فيه الإنسان بالراحة والأمان، وهو المكان الذي يلقى فيه الإنسان التقدير المادي والمعنوي لما يقدمه ويبدع فيه، فيحصل على حقوقه كاملة دون ضياع لجهد أو وقت يقدمه.

لكن، في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية التي نعيشها اليوم، هل أصبح ذلك المكان حلماً؟

لقد باتت الوظيفة فعلاً اليوم، وفي ظلِّ تلك الظروف لا تصنع الثراء وإنما ربما تحمي من الفقر. وغياب المكان المريح للموظف يعود لأسباب كثيرة منها وأشملها نقص في مجال إدارة الموارد البشرية في الشركات، الذي يُعنى بالتدريب والتقوية والتحفيز والتقييم، لذا باتت الحاجة إلى تفعيل دور إدارة الموارد البشرية مهمّاً بقراراتها الصحيحة للوصول إلى الأمان الوظيفي وإلى نجاح الشركة نفسها. إضافة إلى أن غياب التعامل المريح مع الموظف يجعل هناك فجوة بين ما يقدمه وما يُطلب منه تقديمه، لذا عندما تسعى الشركة ليكون الموظف شريكاً في العمل وليس عبداً لديها، أو مجرّد العمل براتب زهيد ستكسب أكثر، وستُحفّزه على الإبداع وتقديم الأفضل، وتلك هي أهم نقطة في إدارة الموارد البشرية.

وهنا قد يتساءل البعض، ما هي أهم الحلول المطلوب العمل عليها لتحفيز الموظفين وعدم شعورهم بالملل في الشركة؟

هنا لا بدَّ من اتباع ما يلي:

*تخطيط الإدارة استراتيجياً بشكل صحيح، وأن يكون لها بُعدٌ لنجاحها وتطورها مستقبلاً عندما تفتح أبوابها وتستقطب موظفين.

*أن تعتمد نظام النقط وتقسيم المهمات وتقديم الحوافز والنسب المادية المطابقة لتقييم تلك النقط مع اعتماد المكافآت.

*أن تضع الموظف في المكان الذي يبدع فيه ويريد أن يبني من خلاله اسماً ومكانة.

لكن ماذا عمّا إذا كانت بعض الشركات غير قادرة على تطبيق فكرة النقاط، فكيف لها أن تُشجّع الموظف قدر الإمكان؟

يمكن من خلال التعامل مع الموظف بأريحية، والسماع لأفكار الموظفين لتوفير أرباح كبيرة في أفكار قد تكون إبداعية ومُنقذة.

وكما للشركات واجبات تجاه تحفيز الموظفين، يقع على عاتق الموظف أن يكون مُتمكّناً، وأن يُثبت جدارته ومسؤوليته، وبهذا سيُصبح حاجة ماسّة للشركة ولن تستطيع الاستغناء عنه بسهولة.

ولا ننسى أنه من الضروري اعتماد إدارة الموارد البشرية بالشركات على مبدأ تحليل الاحتياج التدريبي الذي يقوم على تدريب الموظف حينما تحتاجه الشركة، وكذلك إقامة دورات تنموية لتنمية مهارات الموظفين، فقد يكون الموظف مُتمكّناً ومبدعاً لكن ليس في المكان الذي تحتاجه الشركة. من هذا المنطلق على الموظف اليوم أن يعتبر الوظيفة مرحلة تدريبية لرفع كفاءته وتطوير مهاراته.

العدد 1105 - 01/5/2024