الدفع الإلكتروني.. نعمة أم نقمة؟

رنيم سفر:

(ستوقف عمليات تسديد فواتير خدمات السورية للاتصالات عبر المراكز الهاتفية، وسيصبح التسديد عبر الدفع الإلكتروني حصراً اعتباراً من تاريخ 2/1/2024). لتسديد فواتير خدمات السورية للاتصالات إلكترونياً، يرجى إنشاء حساب دفع إلكتروني لدى أحد أقنية الدفع).

هذا ما وصل عبر رسائل نصية على أجهزة الموبايل خلال الأيام الماضية.. والهدف منه التوجه إلى الدفع الإلكتروني (كما الماء سابقاً) ولكن هذه المرة لتسديد فواتير الهاتف.. ولاحقاً ربما تكون الكهرباء كذلك..

العالم أطلقَ نظام الدفع الإلكتروني منذ سنين عديدة فكان نعمةً وسياسته سهلت الحياة اليومية للكثير، واتجهت سورية مؤخراً لاعتماد هذه الطريقة في نظام الدفع والتجارة الإلكترونية، ولكن مواجهته للتحديات والصعوبات جعلت منه نقمة في بعض الجوانب بعد مرور عامين ونصف من إطلاق نظام الدفع الإلكتروني لدينا في القطاعات العامة والخاصة، إلّا أنه وللأسف مجال استخدامه في القطاع العام ما يزال محدوداً وبطيئاً بسبب ضعف البنية التحتية الرقمية والشبكات اللاسلكية، مما يؤثر على سرعة واستقرار الاتصال وتنفيذ عمليات الدفع الإلكتروني، أما الأمر الذي يحدّ من انتشاره هو ضعف الوعي والثقة فيه، وحسب ما أكد عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق بأن المعوقات أمام انتشار هذه الخدمة، لافتاً إلى أن إيداع وسحب الأموال من المصارف أصبح مشكلة بحد ذاته، لذا نرى أن نسبة كبيرة من المواطنين غير متشجعين على التعامل بالدفع الإلكتروني، موضحاً أنه من أجل تشجيع المواطن على التعامل مع المصارف إلكترونياً يجب أن تتصف بالمرونة الكافية. وتأكيداً لما قاله محمد الحلاق فإن أخذ المواطن لراتبه من الصرّاف الآلي يعتبر صعوبة وعقوبة بالغة، فالخدمة تتوقف لأتفه الأسباب، فهل يعقل أن تقف كل هذه الساعات الطويلة منتظراً أموالك لتجد أن الخدمة لا تعمل أو أن المال المدخر بداخل الصرّاف قد نفذ فما هذه الأسباب التعجيزية ولو أن بأيدي العديد منا الاختيار بين التقليدي و الإلكتروني لاختار القبض القديم فهو على الأقل يعود معه أمواله .

وقد بيّن محمد الحلاق أن التوزع الجغرافي للمصارف في كل دول العالم كبير، في حين أن المشكلة لدينا قلّة عدد المصارف.

ومن جانب آخر، قال الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتورشفيق عربش، أن البنية التحتية للتعامل بخدمة الدفع الإلكترونية ليست جاهزة الآن بسبب ضعف الإنترنت والانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي وقِدمِ التجهيزات الإلكترونية، وأضاف عربش: ليس هناك ثقافة اجتماعية لدينا للتعامل بهذه الخدمة، مشيراً إلى أن إدارة هذا المشروع ما زالت تعمل في مرحلة التجريب لحين معرفة الأنسب لتطبيقه ونجاحه ولفت إلى أنه في ظل الظروف المعيشية الصعبة للمواطن حالياً لا تستطيع نسبة كبيرة من المواطنين ادخار رصيد معين من أجل تحويله إلى المصارف.

وحسب ما قال الدكتور شفيق عربش فالمشروع لا زال في مرحلة التجريب وبما أنه كذلك يتوجب تقدير مدة معينة ثلاثة أشهر على الأقل قبل تحويل العديد من الخدمات للإلكترونية فقط دون اختيارنا بين الإلكتروني والتقليدي فقد وضعنا تحت الأمر الواقع وهو أمر يصعب التعود عليه ومن حقنا وقت لنتماشى مع الوضع الجدبد.

نلاحظ أنه في زمنٍ يتسم بالتقدم التكنولوجي، يظهر الدفع الإلكتروني كنقمةٍ ونعمةٍ مزدوجة لدينا، فبينما يراه العالم كنعمة تحقق السهولة والتطور في نظام الدفع والتجارة الإلكترونية، نعتبره نحن إرهاق وتعب في مسار التقدم، في الحقيقة هو نعمةً حقيقيةً لأولئك الذين بإمكانهم القيام بالدفعات والتحويلات ببساطة من خلال الأجهزة الذكية التي يمتلكونها ولكن نحن نطلق الآهات لتدبير قوت يومنا فكيف نجلب هذه الأجهزة التي نراها في الإعلانات فقط، وعند النظر للدفع الإلكتروني العالمي نجد جانب آخر إيجابي للقضية فهو يعزز التجارة الإلكترونية ويفتح أبواباً جديدةً للبيع والشراء عبر الإنترنت مما يمكن للمستهلكين اختيار المنتجات والخدمات التي يرغبون فيها من مجموعة واسعة من الخيارات المتاحة، وهذا يعزز الفرص التجارية للبائعين ويدعم نمو الاقتصاد المحلي بشكل عام، ومع ذلك فإنه ربما مع حدوث تغييراتٍ تدريجيةٍ وتحسينٍ مستمرٍ، يمكن للدفع الإلكتروني أن يصبح نعمةً حقيقيةً لدينا، لكن يتعين على الحكومة والقطاع المصرفي والشركات الخاصة العمل معاً لتطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز القبول والتبني للدفع الإلكتروني بالإضافة إلى ذلك، يجب توفير التدريب والتثقيف للمستخدمين حول طرق الاستخدام الآمنة والفوائد المتعددة له، وترك المجال مفتوح، ولو لمدة معينة، أمام من يريد التحول للدفع الإلكتروني أو الدفع بالطريقة التقليدية.

في النهاية، يمكن القول إن الدفع الإلكتروني يفتح آفاق التطور والتقدم وإن الاستثمار في تكنولوجيا المال والتجارة الإلكترونية يمكن أن يعزز الاقتصاد المحلي إن تجاوزنا التحديات واستطاع القائمون إزالة العوائق.

العدد 1105 - 01/5/2024