سامي.. لست سامي

أحمد ديركي:

من الأمور المثيرة للسخرية مسألة تحويل الكذبة إلى معلومة صادقة، وأن يتعامل معها الجميع على أنها (صادقة) رغم كذبها. ويبدأ التعامل معها حتى على المستوى الأكاديمي والسياسي وكأنها صادقة.

من يعمل على نقل الكذبة، أو المغالطة، إلى موقع معاكس، أي التصديق، يهدف إلى تشويه الوعي بعامة على كل المستويات في سبيل تحقيق هدف خسيس. لانه لو كان الهدف أخلاقياً لما عمل على تحويل الكذبة إلى مسألة (صادقة) وأقنع الجميع على أنها صادقة.

ولا يقتصر الأمر على من يعمل على النقل من الكذب إلى الصدق، بل يطول أيضاً من يُصدّق أن هذه الكذبة صادقة ويعمل على تعميم هذا التصديق الكاذب. وهنا تقع المسؤولية الأكبر على الأكاديميين والباحثين والعاملين بالحقل السياسي والقانوني، لإظهار أن ما هو معمّم ليس بصادق بل كاذب، هدفه تشويش الرأي العام وقيادته إلى هدف خسيس.

لكن للأسف يبدو أن معظم العاملين في مجالات عدة يدعمون الكاذب ويساندونه في كذبه، إلى حدّ أصبحت فيه الحقيقة أو القول الصادق أمراً مشكوكاً في أمره. وبهذا فهو يعمل عن قصد لتحقيق خساسة الهدف.

من الأكاذيب التي عمل الكيان الصهيوني على تعميمها وكأنها مسألة صادقة مسألة (السامية). فقد جعل من هذا المصطلح حكراً عليه. فكل من يذكر كلمة (يهودي) يصنف على أنه ضد السامية.

السامية مصطلح حديث ظهر مع ظهور تصنيف (الشعوب) إلى أعراق. وهي محاولة كانت في بداياتها متأثرة بالداروينية الاجتماعية لإظهار مدى تفوق (العرق) الأبيض، وبخاصة الأوربي، على بقية العروق البشرية بسبب عرقه! ولكن المصطلح لاحقاً، أخذ معانيَ مختلفة.

الكذبة التي يستخدمها الكيان الصهيوني تكمن في محاولة حصره مصطلح العرق السامي باليهودية. أي يحاول أن يجعل من هذا المصطلح مفهوماً محصوراً بالديانة اليهودية وليس بمجموعة بشرية تنتمي إلى عرق ما بغض النظر عن انتماءاتها الدينية.

لذا كثيراً ما نسمع، وبخاصة في الغرب، أن كل من يقول حقيقة ما عن همجية الكيان الصهيوني يتهم بأنه (معادٍ للسامية)! وهي عبارة معمّمة يستخدمها الجميع، من الأكاديميين وصولاً إلى السياسيين.

لكن وبشكل مختصر جداً، السامية: عرق يضمّ مجموعات بشرية متنوعة وأدياناً متنوعة، يقوم على أساس اللغة السامية. وهي لغة اشتقت منها العبرية والعربية والسريانية.. وبهذا فالسامية كعرق لا تعني فقط من يتكلمون بالعبرية. والعبرية كلغة ليست مقتصرة على الديانة اليهودية، فاللغة أعمّ من الديانات ويمكنها أن تضمّ أكثر من ديانة.

إلا أن عملية الاحتكار للعرق السامي واللغة العبرية ما هي إلا محاولة لإظهار أن الكيان الصهيوني يمثل الوكيل الحصري لهذا العرق واللغة، في سبيل تحقيق أهدافه السياسية الخسيسة والقضاء على القضية الفلسطينية، وتحويل كلّ ما يتعلق بهذه القضية إلى مسألة (سامية) بالمعنى الكاذب الذي يعمّمه ويسانده كل من يعمل على تعميم هذه الكذبة.

المطلوب العمل على تظهير مدى كذب الصهيونية في هذه المسألة لإظهار المعنى الحقيقي لكلمة (سامية). فالمعنى الحقيقي يلغي الاحتكار الصهيوني للمصطلح، وفي الوقت عينه يدك واحداً من أبرز الأسس التي يقوم الكيان الصهيوني على تأسيسها لتثبيت احتلاله لفلسطين.

لكن يبدو أن معظم الأكاديميين وغير الأكاديميين يعمل على طمس العمل الفعلي على هذا المصطلح لإظهار كذب الاستخدام الصهيوني له دعماً لتوطيد الاحتلال الصهيوني لفلسطين. وبهذا فهم يساندون الهدف السياسي الخسيس للكيان الصهيوني.

كما أن معظم الأنظمة السياسية العربية، المطبعة مع الكيان الصهيوني، وحتى من هم على طريق التطبيع، تعمل على تعميم كذبة المعاداة للسامية واحتكارها من قِبل الكيان الصهيوني. وبهذا فهي عامل مساعد وداعم للمشروع الصهيوني بكل أبعاده.

فالجهد المطلوب من كل من يدعون بأنهم يدعمون القضية الفلسطينية ويعملون على تحرير فلسطين التاريخية، وليس حل الدولتين أو ما شابهها من حلول مخزية، العمل على كل الجبهات النضالية من الجبهات الفكرية وصولاً إلى الجبهات العسكرية. لأن ما من جبهة عسكرية من دون فكر واضح المعالم يقودها وإلا أصبحت جبهة عسكرية غير واضحة الأسس والأهداف! فالمهمّ ليس التصفيق للجبهة العسكرية بل الأهم الدعم والتصفيق للجبهة الفكرية التي تحملها الجبهة العسكرية، إن كان من حاجة لها، لتحقيق الهدف. لنفتح جبهة السامية ولنسقط الاحتكار والتكذيب الصهيوني لهذا المصطلح، لينضم إلى كل جبهات تحرير فلسطين.

العدد 1104 - 24/4/2024