الرئيس الأسد: غزّة لم تكن يوماً قضية.. فلسطين هي القضية وغزّة تجسيد لجوهرها

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أنه لا يمكن البحث في العدوان على غزّة بمعزل عن سياق المجازر الصهيونية بحقّ الفلسطينيين سابقاً، لافتاً إلى أن استمرارنا في التعامل مع العدوان اليوم بالمنهجية نفسها يعني تمهيد الطريق من قِبلنا لإكمال المذابح حتى إفناء الشعب وموت القضية.

وأشار الرئيس الأسد خلال كلمته في القمة العربية الإسلامية الاستثنائية التي عقدت في الرياض يوم السبت الماضي إلى أن الطارئ في قمتنا اليوم ليس العدوان ولا القتل، فكلاهما مستمر وكلاهما ملازم للكيان وسمة له، لكن الطارئ هو تفوّق الصهيونية على نفسها في الهمجية.

وشدّد الرئيس الأسد على أن الحد الأدنى الذي نمتلكه هو الأدوات السياسية الفعلية لا البيانية، وفي مقدمتها إيقاف أي مسار سياسي مع الكيان الصهيوني، وأن تكون عودته مشروطة بالتزام الكيان بالوقف الفوري المديد لا المؤقت للإجرام بحقّ كل الفلسطينيين في كل فلسطين، مع السماح بإدخال المساعدات الفورية إلى غزّة.

وفيما يلي النص الكامل للكلمة:

سموّ الأمير محمد بن سلمان، وليّ عهد المملكة العربية السعودية

أصحاب الجلالة والسيادة والسموّ

غزّة، لم تكن يوماً قضية، فلسطين هي القضية وغزّة تجسيد لجوهرها وتعبير صارخ عن معاناة شعبها.

والحديث عنها بشكل منفرد يضيع البوصلة، فهي جزء من كلّ، وهي محطة في سياق، والعدوان الأخير عليها هو مجرد حدث في سياق طويل يعود إلى خمسة وسبعين عاماً من الإجرام الصهيوني، مع اثنين وثلاثين عاماً من سلام فاشل، نتيجته الوحيدة المطلقة غير القابلة للنقض أو التفنيد هي أن الكيان ازداد عدوانية والوضع الفلسطيني ازداد ظلماً وقهراً وبؤساً.

 

فلا الأرض عادت ولا الحقّ رجع لا في فلسطين ولا في الجولان، هذه الحالة أنتجت معادلة سياسية مفادها بأن المزيد من الوداعة العربية معهم تساوي المزيد من الشراسة الصهيونية تجاهنا، وأن المزيد من اليد الممدودة من قبلنا تعادل المزيد من المجازر بحقّنا.

في ظل هذه المعادلة الواضحة جداً لا يمكن البحث في العدوان على غزّة بمعزل عن سياق المجازر الصهيونية بحقّ الفلسطينيين سابقاً، واستمرار هذا السياق – من دون أدنى شك- لاحقاً.

في ظل هذه المعادلة الواضحة جداً لا يمكن أن نعزل هذا الإجرام المستمر عن طريق تعاطينا، كدول عربية وإسلامية، مع الأحداث المتكررة بشكل مجزّأ ومجتزأ من القضية الفلسطينية، وإن استمرارنا في التعامل مع العدوان على غزّة اليوم بنفس المنهجية يعني تمهيد الطريق من قبلنا لإكمال المذابح حتى إفناء الشعب وموت القضية.

إن الطارئ في قمتنا اليوم ليس العدوان ولا القتل، فكلاهما مستمر وكلاهما ملازم للكيان وسمة له، لكن الطارئ هو تفوق الصهيونية على نفسها في الهمجية، ما يضعنا أمام مسؤوليات غير مسبوقة في جسامتها إنسانياً وسياسياً بالحد الأدنى، هذا إن وضعنا جانباً الأمن الوطني لمنطقتنا.

فمن الناحية الإنسانية لا خلاف حول واجبنا في تحمّل قسط كبير من إعادة متطلبات الحياة بحدّها الأدنى، سواء عبر المعونات الفورية أو إعمار البنية التحتية الضرورية لاحقاً، لكن هل نستمر في الدوران في حلقة مفرغة من القتل والمعونات، ثم مجازر فمساعدات واعتداءات فبيانات؟ والسؤال الأهمّ: ما الذي يحتاجه الفلسطيني منا؟ هل يحتاج منا المعونات الإنسانية أولاً أم يحتاج منا الحماية قبلاً مما هو قادم من إبادة لحقّه؟ هنا يكمن دورنا، وهنا يكمن عملنا السياسي، ولكن إن لم نمتلك أدوات حقيقية للضغط فلا معنى لأيّ خطوة نقوم بها أو خطاب نلقيه. والحد الأدنى الذي نمتلكه هو الأدوات السياسية الفعلية لا البيانية، وفي مقدمتها إيقاف أي مسار سياسي مع الكيان الصهيوني بكل ما يشمله المسار السياسي من عناوين اقتصادية أو غيرها، وأن تكون عودته مشروطة بالتزام الكيان بالوقف الفوري المديد لا المؤقت للإجرام بحقّ كل الفلسطينيين في كل فلسطين، مع السماح بإدخال المساعدات الفورية إلى غزّة.

أما الحديث عن الدولتين وإطلاق عملية السلام وغيرها من التفاصيل والحقوق، فهو على أهميته ليس الأولوية في هذه اللحظة الطارئة، مع معرفتنا أن الحديث فيها وعنها لن يثمر ولن يجدي، لأنه لا وجود لشريك ولا لراع ولا لمرجعية، ولا لقانون، ولأنه لا يمكن استعادة حقّ، والمجرم أصبح قاضياً، واللص حكماً وهذا هو حال الغرب اليوم.

 

بإرادتنا فقط، أيها الإخوة، بعيداً عن مطالباتنا للدول الغربية وللمؤسسات الدولية وغيرها بتحمّل مسؤولياتها فهي لا تحمل سوى مسؤوليات استعمارية تاريخية قائمة على قمع ونهب الشعوب، بإرادتنا فقط، بالرأي العام الشعبي الجارف في بلداننا، بما فرضته المقاومة الفلسطينية من واقع جديد في منطقتنا امتلكنا تلك الأدوات، فلنستخدمها، ولنستغلّ التحوّل العالمي الذي فتح لنا أبواباً سياسية أغلقت لعقود لندخل منها ونغيّر المعادلات، ولتكون الأرواح الغالية التي ارتقت في فلسطين ثمناً مجزياً لتحقيق ما عجزنا عنه ماضياً وما علينا إنجازه حاضراً ومستقبلاً.

 

العدد 1105 - 01/5/2024