لا بدّ أن يستجيب القدر

تهامة الدعبل:

(عاد مخموراً في الرابعة فجراً تتقاذفه جدران المنزل، منذ أعوام وحياتي معه على هذه الحال، في كلَّ ليلةٍ يغازلُ العاهراتِ في الحانة حتَّى الصباح ثمَّ يأتي ليفرغ لكماتُه القذرة على جسدي.

بعد سنوات ما عاد لون جسدي يُعرَف من لون الكدمات، لذا قررتُ اللجوء إلى الأهل والأقارب لأباشر بإجراءات الطلاق، فكان ردّهم بأنه عليَّ الصبر والتحمّل، فالزوجة الصالحة تتحمّل نزوات زوجها ونوبات غضبه في سبيل استمرار حياتهما معاً، وأي حياة هذه التي يسودها الضرب والعنف والذل؟!

قررتُ ألاَّ أرضخ لأحكامهم البالية وتابعتُ إجراءات الطلاق بنفسي، واليوم أنا أتمتّع بحريتي منذ خمس سنوات).

(مع أنَّني أبلغ من العمر ٢٢ عاماً إلاّ أنني أعاني ضرب أخي كل يوم تحت ذريعة خوفه وحرصه علي، لا سيَّما بعد وفاة والدي، فقد أصبح يرى أن الحفاظ على شرف العائلة مسؤوليته، وبسبب ضربه المستمر والمبرح لي فقدتُ الرؤية في إحدى عيني، وعلى الرغم من مناشدتي جميع أفراد العائلة إلاَّ أن الجواب الدائم الذي كنتُ أسمعه (أخوكِ وبمون عليكِ)، وبعد تفكير طويل حصلت على تقريرٍ من الطب الشرعي وتقدّمتُ بشكوى رسمية ضدّه، واليوم أخي ما زال يكمل سنوات حكمه في السجن، وأنا أكملُ جلسات العلاج النفسي وأكملُ دراستي الجامعية).

هذه ليست قصصاً خيالية، بل هي قصص واقعية من القصص النادرة التي أخبرتنا بها سيدتان من الناجيات من العنف الأسري، وما يميّز هاتين القصتين أنهما لم تكونا كباقي القصص ذات النهاية المأساوية، بل كانت نهاية إيجابية رسمتها صاحباتها كما أرادت، والسؤال الجوهري هنا: ماذا لو أنَّ كل سيدة تعرّضت للعنف انتزعت حقّها بيدها ولم ترضَ بالذل؟ ماذا لو كان لأصوتنا صدىً يُسمَع؟

ضجَّت حياتنا اليوم بالمواقع والصفحات التي تؤكّد أهمية احترام المرأة وحفظ حقوقها ومناهضة العنف ضدّها، لكنَّ مجتمعاً ذا معايير مزدوجة كمجتمعنا يعاقب الضحيَّة ويبرّئ الجلاد ستبقى فيه هذه الشعارات شعارات رنّانة لا تفيد ما لم تتخذ الأنثى خطوة قوية وصارمة في سبيل حفظ كرامتها، ولعلَّ في هاتين القصتين عبرة لكثير من سيدات مجتمعنا.

كفاكِ رضوخاً، حطمي قيودهم العفنة العفنة، وارسمي حياتك كما تريدين أنتِ، وقولي للكون كله:

إذا نـحن يومـاً أردنـا الحيــاة

فــلا بدَّ أن يســـتجيبَ القـــدر

العدد 1105 - 01/5/2024