السلام ضرورة وليس رفاهية.. أنقِذوا أطفالنا وبلادنا!

تهامة الدعبل:

ويا ربِّ من أجل الطفولة وحدها

أفِض بركات السلم شرقاً ومغربا

وصُن ضحكة الأطفال يا ربّ إنها

إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا

اقترب الحادي والعشرون من شهر أيلول، اليوم الذي حدَّدته الجمعية العامة للأمم المتحدة يوماً دولياً للسلام، للتذكير بأهميته وضرورة وقف العنف. وحين نتحدَّث عن السلام لا نقصد السلام السياسي فقط، بل النفسي والاجتماعي والقومي والغذائي وغيرها.

ومن المؤسف أن يحتفل العالم بالسلام في حين أن بلادنا تشهد حروباً منذ عام ٢٠١١ لم تنتهِ آثارها حتى اليوم، وطالت براثنها حياة الإنسان في مختلف جوانبها، وعلى الرغم من توقف الحرب مرحلياً وفي العديد من المناطق، إلّا أننا حتى الآن لم نشهد حالة من الاستقرار، فما زال القلق يلاحق مختلف جوانب حياتنا، وبالتأكيد حين نذكر السلام والحرب لا يمكننا إغفال أثرها في فئة الأطفال والشباب الذين نشؤوا خلال فترة الحرب، فمستقبلنا يعتمد عليهم بصورة أساسية، هؤلاء الذين لم يجدوا دمى يلعبون بها، بل شظايا القذائف وبقايا الرصاص، ولم يستطيعوا استنشاق عبق الياسمين السوري، بل كانت رائحة الدماء والبارود ملازمة لهم حتى بلغوا أشدّهم، وطفت آثار هذا كله على السطح، فانتشرت حالات العنف بمختلف أنواعه والتحرّش والاغتصاب والشذوذ وغيرها، وكان آخرها الجريمة التي ارتكبها مراهق يبلغ من العمر ستة عشر عاماً في منطقة جبلة، هذه الجريمة التي هزّتنا جميعاً وجعلتنا نقف أمامها مذهولين غير قادرين على تمييز الجلاد من الضحية، وغيرها من الحوادث التي شهدناها في السنوات الأخيرة.

في ظلِّ هذه الحالة من عدم الاستقرار، لا يمكننا أن نقف متفرجين مكتوفي الأيدي، فهذا الوضع يتطلّب منّا أن نوحّد جهودنا ونقف وقفة حازمة في سبيل إيجاد حلول تنقذ شبابنا وأطفالنا مستقبل بلادنا، فهم عماد البلاد ومن دونهم لا حاضر ولا مستقبل لنا، وبالتأكيد فإن الحلول تبدأ من الأسرة، فهي البذرة الأساسية لتربية جيل صالح يقوم على القيم والأخلاق، وإن فسدت التربية فسد معها كل شيء وذهبت الجهود كلها سدى، يقول الشاعر:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من

همّ الحياة وخلّفاه وحيدا

إن اليتيم هو الذي تلقى له

أمَّاً تخلّت أو أباً مشغولا

وبعد التربية والتنشئة السليمة يكون دور وزارة التربية والمؤسسات التعليمية من خلال الاعتناء أكثر بمستوى التعليم والنهوض به، والاستفادة من تجربة الدول الأخرى في اعتمادها على نشر الثقافة والوعي والاهتمام بالتعليم اهتماماً كبيراً حتى نهضت من بعد الحروب الكبيرة التي طالتها، إضافة إلى تعيين مدرسين أكفاء وأهل لهذه المهنة السامية ليكونوا قادرين على توجيه الأطفال توجيهاً سليماً خلال فترة وجودهم في المدرسة والتعاون مع الأهل لإبقاء هؤلاء الأطفال ضمن رعايتهم، والحفاظ عليهم من أيّة أفكار مشوشة يمكن أن تؤثّر فيهم، وبالتأكيد لا ننسى دور الجهات المعنية بنشر الوعي بين مختلف فئات المجتمع من خلال حملات التوعية وفرض القوانين والأنظمة المناسبة التي تساعدنا على السير بعجلة النمو نحو الأفضل، لأن كل ما ذكرنا إن تمّ التعامل معه بجدية سيُفضي على الأقل لسلام داخلي ولو مؤقّت.

مهما كانت معاناتنا كبيرة، ومهما كان وضع بلادنا صعباً سنكون قادرين على المواجهة والنهوض من جديد عندما نركّز على تأهيل فئة الشباب ونوحد الجهود ونتبع نهجاً منظماً نحو الحداثة، ويحضرني هنا قول عبد الملك بن مروان لأولاده: يا بَنِيَّ، عليكم بالأدب والعلم، فإن كنتم فقراء عِشْتُم، وإن كنتم أغنياءَ سُدْتُم، وإن كنتم سادةً فُقْتُم، واستفيدوا مِن الأدب ولو بكلمة واحدة، فمن لم يكتسبْ به مَالاً، اكتسبَ به جَمَالاً.

العدد 1105 - 01/5/2024