لماذا لم تعد الأحزاب السياسية توافق تطلعات الشباب الحالية؟

تهامة الدعبل:

عرف العرب الأحزاب منذ بداية القرن العشرين، فبين العامين 1906 و1907 ظهرت أحزاب في مصر تنادي بتطبيق مبادئ وسياسات تحكم بها البلاد، وكان من أهم أسباب ظهورها الوعي الذي كان سائداً في تلك الفترة، فقد أدى افتتاح المدارس بكثرة في عهد محمد علي باشا، ودخول الطابعة إلى البلاد، وانتشار الكتب، واتساع مساحة الحرية التي كانت على الرغم من كل ما كان يُشاع عن اضطهاد السياسة وغطرستها، إلاَّ أنه ثمّة هامش حريات كبير ومبالغ فيه أحياناً، إضافة إلى تأمين السلطات المصرية متطلبات الحياة اليومية خصوصاً للنخب بين أفراد الشعب، ومن ثم نستطيع أن نقول إن العمل السياسي هو شبيه بالمربع المكوّن من أربعة اضلاع، هي: 1- الوعي في المجتمع.

2- انتشار العلم والكتب.

3- الحرية السياسية والفكرية.

4- الحياة الكريمة لأفراد المجتمع لاسيما المثقفين أو النخبة.

أخرجت سورية أول حزب سياسي بعد الحرب العالمية الثانية 1918، وهو حزب الاتحاد السوري، فقد قامت لجنة مؤلفة من سبعة أشخاص تمثل هذا الحزب بالكتابة إلى وزير الحربية البريطاني تُحدّد فيه حدود سورية المستقلة، وأعلن هذا الحزب أنه يطالب بقيام دولة سورية حدودها من طوروس شمالاً إلى العقبة جنوباً، ومن الفرات والصحراء شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً، وانتشرت الأحزاب السياسية في البلاد أكثر فيما بعد، مثل الحزب الشيوعي السوري الذي أُسِّس عام 1924، والحزب السوري القومي الاجتماعي وغيرهما، ولكن خلال فترة الوحدة بين سورية ومصر أوقِف هذه الأحزاب، إذ إنَّ جمال عبد الناصر فرض حلَّ الأحزاب السياسية في سورية كلها قبل إعلان الوحدة عام 1958، لكنَّها عاودت نشاطها بعد الانفصال عام 1961، ومن أهم الأحزاب التي نشطت بعد الانفصال حزب البعث العربي الاشتراكي (تأسس عام 1947)، الذي استلم السلطة 1963م وكان من أهم أهدافه الوصول إلى أمة عربية ذات كيان مستقل بعيداً عن التدخلات الأجنبية، وقد لاقى رواجاً واسعاً.

لكن، في الفترة الأخيرة عزف الشباب عن هذه الأحزاب، ولم يعد اهتمام الشارع عموماً يتجه نحو الأحزاب وشعاراتها، ما يطرح تساؤلاً مُهمّاً وهو: ما سبب ابتعاد فئة الشباب عن الأحزاب السياسية بعد هذا الإقبال كله في السابق؟

بالعودة إلى تعريف الحزب نجد أنَّه مجموعة من الناس تجمعهم أفكار وطموحات مشتركة ويعملون معاً لتحقيقها، وينشرون خطاباتهم لنشر ثقافتهم والتأثير في الرأي العام وضم الحشود إليهم، وهذا ما كانت عليه الأحزاب في السابق، فقد كانت شعاراتها وأهدافها تمثل كل مواطن عربي، ولكن في الوقت الحالي تغيّرت مجريات الحياة وأحلام الأمة، ولم تسعَ الأحزاب لتطوير أهدافها وشعاراتها، في حين أنَّ الأهداف والآمال القديمة لم تعد تتوافق والرؤى الجديدة وتتبناها، ما صرف اهتمام الناس عنها، إلى جانب المفارقات الواضحة في هذه الأحزاب، إذ إنَّها تنادي دائماً باسم الشباب ومصالحهم وفي الوقت ذاته نجدها لا تعطي مكاناً حقيقياً للشباب فيها ليكون لهم دور فاعل في الواقع، فلم يُمنحوا فرصةً يُعبّرون فيها عن ذواتهم، ومعظم ذوي المناصب النافذة في الستينات من العمر ولم يحاولوا الاستفادة من حاسّة روح الشباب، ما يوحي بأنَّهم يريدون الشباب لزيادة أعداد الحشود حولهم ليس غير.

فضلاً عمَّا سبق فإنَّ الأحزاب قد حادت عن الأهداف الأساسية التي أُسِّس الحزب لأجلها، واتجه القائمون عليه نحو الاهتمام بالسلطة والنفوذ والمناصب أكثر من أي شيء آخر، وبات الانضمام إلى هذه الأحزاب وتسلّم مكاناً مرموقاً فيها يتوقف على الوساطات والمعارف لا على الفكر والطموح كما كان في بداية تأسيسه، بمعنى أنَّ الهدف الرئيس أصبح النفوذ والانخراط في الحياة السياسية لا الفكر الحرّ بحد ذاته.

والأهم من هذا كله أنَّ المعاناة التي يعيشها المواطنون شغلتهم عن الحياة السياسية، فلم يعد الدخول في السياسة هاجساً لديهم، بل أصبح همّهم الوحيد هو جني قوت يومهم، والعمل بوظيفة مرموقة يحصلون من خلالها على راتب جيد.

جميع المؤشّرات تُنبئ باحتضار الأحزاب واندثارها، لذا لابدّ لها من تعديل شعاراتها بما يناسب مجريات الواقع الحالي، وأن يكون للشباب دور أكبر من ذي قبل، والسعي لأن تقرن شعاراتها بأفعال تُثلج قلوب المواطنين بعد ما عانوه من آلام.

العملية السياسية الشابة تحتاج إليها البلاد، ولكن علينا التعلّم من التجربة المصرية الأولى في عهد محمد علي، وتأمين أضلاع المربع الأربعة حتى نرى أحزاباً سياسية ذات قدرة على التأثير في المجتمع والنهوض به.

العدد 1105 - 01/5/2024