تحديات الواقع تتراجع بعجلة تمكين المرأة السورية

تهامة الدعبل:

لطالما ناهضت المرأة العربية وحاربت من أجل حريتها واستقلاليتها، فواجهت الظلم والعادات والتقاليد والنمطية في سبيل حياة كريمة تحترم فكرها وكيانها، والتاريخ يضجُّ بأسماء المفكرين والمفكرات الذين سعوا لتمكين المرأة وتحريرها وتعليمها، مثل بطرس البستاني وماري العجمي ورفاعة الطهطاوي وغيرهم، وبالفعل استطاعوا تحقيق نتائج عظيمة دفعت قضايا المرأة نحو الأمام. ولكن في السنوات الأخيرة ومع ازدياد التحديات والصعوبات والأعباء الثقيلة التي باتت تتحمّلها المرأة في مجتمعنا، فقد بدأت غالبية النساء والفتيات تتخلّى عن أحلامها وطموحاتها شيئاً فشيئاً، ولا تريد سوى بعض الراحة علّها تستعيد الإحساس بكيانها الأنثوي، لا بوصفها عجلة تعمل طوال الليل والنهار حتى تجني قوت يومها.

في الفترة الأخيرة، بعد ازدياد الصعوبات في سوق العمل، وانخفاض القيمة الفعلية للرواتب، وموجات الغلاء المتتابعة التي جعلت معظم الناس عاجزين عن تحقيق أبسط متطلبات الحياة، عاد نمط التفكير التقليدي يطفو على السطح من جديد، فبدلاً من أن تواصل المرأة سعيها في سبيل تطوير مهاراتها وتحقيق ذاتها باتت تبحث عن الزواج من شاب مُقتدر مادياً ليلبّي احتياجاتها ويتحمّل مختلف الأعباء المادية، إذ أصبح على عاتقها تحمّل أزمات المواصلات لتذهب إلى عملها أو مكان دراستها في الصباح، وما يتطلّبه هذا من جهد بدني ونفسي وفكري ومادي، لتعود وتتحمّل ثقل الأعمال المنزلية وتربية أطفالها ورعايتهم، ولا بدَّ لها من الحفاظ على مظهرها الأنيق وإبراز ملامحها الأنثوية لتسلم من نقد المجتمع وتقليله من شأنها، فعلى الرغم من التطور الذي لحق مختلف جوانب الحياة إلاَّ أنَّ الجهل ما زال مسيطراً على نمط التفكير العام في نظرته إلى المرأة.

فضلاً عمَّا سبق، فهي، في حالاتٍ كثيرة، لا تلمس المساندة من الرجل، فعلى الرغم من أنه رضي أن تكون شريكة له في تحمّل الأعباء المادية، إلاَّ أنه لم يكن شريكاً لها في تحمّل الواجبات المنزلية وتربية الأطفال، وبقيت هذه الأمور مهمتها وحدها، مما زاد من معاناتها.

ولابدَّ من الإشارة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي السلبي، إذ أصبحت الأنثى تقارن نفسها بغيرها من نجمات هذه الوسائل اللواتي يعشن حياتهن برخاء، ويرتدن الأماكن الفارهة والمقاهي والحفلات، ويواظبن على إجراء عمليات التجميل وغيرها من الوسائل ليحافظن على جمالهن الذي بات محور تركيزهنًّ بعيداً عن إثبات جدارتهن العملية أو الفكرية، وأصبحت الفتاة الجميلة متقدمة بخطوات عن الفتاة المثقفة في المنظور العام.

هذه الأسباب وغيرها من الأسباب الأخرى كلها دفعت الفتاة إلى التركيز على تحقيق معايير الجمال المجتمعية واللّحاق بالموضة وتوافه الأمور، بعيداً أو إضافة إلى السمو بعقولهن وأفكارهن، وبات حلم الفتاة أن تحصل على زوج ثري ومقتدر لتلقي عليه المسؤولية وترتاح من هذه الأعباء. لكن هذه الطريقة من التفكير قد أثبتت فشلها في العصور السابقة، ولعلَّ الحرب التي عشناها خير مثال على هذا، فكم من ثريٍّ خسر أمواله بلمح البصر وعاد إلى نقطة الصفر، واضطر للعمل هو وزوجته وأولاده ليحصلوا على قوت يومهم، فضلاً عن النساء اللواتي ترمَّلن في سنٍّ صغيرة واضطررن للعمل في وظائف شاقة لساعات طويلة وبأجر منخفض ليستطعن إعالة أطفالهنَّ وعائلاتهنَّ، في حين أنه كان من الممكن أن يحصلن على فرص عمل أفضل وأجور أفضل لو كان لديهنَّ علمٌ وخبرات تنفعهنَّ.

لا يمكن لأحد أن ينكر الظروف الصعبة والتحديات التي تفوق طاقاتنا بكثير، لكن الصعوبات يجب أن تحضَّ المرء على العمل والاجتهاد أكثر، لا الهروب من المواجهة واللجوء إلى الطرق السهلة، فالزواج المبكر أو البحث عن عريس ثري لن يكون حلاً للمشكلة، ولا بدَّ لنا من أخذ العبرة من الماضي في مواجهة الحاضر والتخطيط للمستقبل، ويبقى الوعي وتحكيم العقل هو سيد الموقف.

العدد 1107 - 22/5/2024