ارتفاعات وفوضى سعرية وترشيد حكومي بطباعة المفكرات السنوية!! التطبيق العملي لمخرجات الدورة الإستثتائية لمجلس الشعب

حسن حسين:

جاءت مخرجات الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب التي عقدت بتاريخ 24/7/2023 لمناقشة الواقع الاقتصادي والمعيشي وسعر الصرف مخيبة للآمال لدرجة الإحباط، وكأن المواطن لم تكفه آلاف الضربات الحكومية حتى تأتيه هذه الضربة المزدوجة من ممثلي الحكومة وممثليه في المجلس، لتجعله سائحاً في الشوارع يحدث القطط السائبة وحجارة الأرصفة عن حاله وأحواله.

فخطاب الحكومة لم يتعدَّ حدود التوصيف وتعليق التبريرات على شماعة العقوبات والحصار، ومهاجمة كتلة الدعم الاجتماعي محملةً إياها مسؤولية خراب الاقتصاد الوطني وسوء معيشة المواطن، وليس سياستها الليبرالية المتوحشة المحابية لكبار التجار وأثرياء الحرب والفاسدين!!

اتفق الطرفان في ختام هذه الجلسة الاستثنائية على تشكيل لجنة مشتركة _ رغم اختلاف الصلاحيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية_ تضم عدداً من أعضاء مجلس الشعب واللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء مهمتها إعداد حزمة متكاملة من المقترحات العملية والفاعلة للنهوض بالواقع الاقتصادي والمعيشي للعاملين في الدولة، على أن تقدم هذه اللجنة مقترحاتها لمناقشتها وإقرارها.

ولم يكد حبر الاتفاق يجف حتى بدأت حزمة من الانهيارات المتتالية تضرب العملة الوطنية، فوصلت لحدود قياسية، ترافق معها ارتفاعاتٌ هستيرية لأسعار مختلف المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وتسعيرات كيفية منفلتة تتبع الأهواء والأطماع مع غياب أو تغييب قسري لمؤسسات التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي تحولت إلى تاجر يرفع أسعار مواده المدعومة أسوة بالسوق.

ثم صدرت عدة قرارات رفعٍ تهدف إلى تحسين الواقع المعيشي للمواطنين!! فارتفعت أسعار الأدوية بنسبة ٥٠% ولم يعد غريباً أن يلجأ المواطن إلى شراء الدواء بالحبة كحاله عند شراء الخضار والفواكه، وطالت السياسات الداعمة للمواطن أيضاً رفع أجور النقل بين المحافظات وداخلها ليشكل هذا الرفع عاملاً ضاغطاً إضافياً على ذوي الطلاب الدارسين في مراكز المدن، وكذلك العمال والموظفين غير المخدمين بوسائل نقل عامة بين المدن والأرياف حيث تستنزف أجور النقل ما يقرب من ٤٦% من أجورهم الشهرية، مما يجبرهم تحت ضغط مصاريف النقل على ترك أعمالهم ووظائفهم وتعريض أنفسهم لاحقاً للمساءلة القانونية.

كل ذلك وسلم الرواتب والأجور في أدنى مستوياته، فالحد الأدنى للأجور في سورية لا يتعدى ٩ دولارات شهرياً، ما يعني أن المواطن السوري يعيش بأقل من ٥٠ سنتاً في اليوم متجاوزاً حدود الجوع العالمية المعينة بدولار ونصف يومياً، فهل سأل مسؤولو هذا البلد يوماً ما أنفسهم كيف يتدبر المواطن أمره؟ أم أن هذا الأمر لا يعنيهم بالأساس؟!

وفي ظل هذا الواقع الاقتصادي المأساوي أصدر رئيس الحكومة بلاغاً يطلب فيه من الجهات العامة إيقاف طباعة المفكرات السنوية حتى إشعار آخر، وذلك بهدف ترشيد الإنفاق العام ورفع كفاءته والاستثمار الأمثل له، وكذلك ترشيد استخدام مادة الورق، وجاء البلاغ استناداً لما تقرر في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ ١١ تموز الماضي بخصوص العمل على ضبط وترشيد الإنفاق في الوزارات والجهات التابعة أو المرتبطة بها خلال الفترة القادمة وخاصة ما يتعلق بـ(الكهرباء- المحروقات-القرطاسية- الأثاث وغيره).

ولو كانت الحكومة جادة بموضوع ترشيد الإنفاق لكان حريّاً بها أن تبدأ بأسطول سياراتها الحكومية، غذ تمتلك سورية الأسطول الأكبر منها مقارنة بالدول المجاورة وحتى العديد من الدول ذات الدخل المرتفع! وتشير الأرقام إلى أنه حتى بدايات العام ٢٠٢٣ بلغ تعداد السيارات الحكومية التي تزيد سعة محركاتها عن (١٦٠٠ cc) ١٤٨٠٠ سيارة تستهلك قسماً كبيراً من النفقات الجارية للحكومة من (إصلاح، صيانة، محروقات) على الرغم من أن القاصي والداني يعلم أن قسماً كبيراً من هذا الأسطول يستخدم لأغراض الخدمة الشخصية والمنزلية وليس لخدمة المؤسسات التابعة لها بمعنى أنها لا تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تحقيق الغرض الذي وجدت من أجله، ولنا في تفحيط وتشفيط أبناء المسؤولين بسياراتهم خير مثال على ذلك.

ولو فرضنا أن استهلاك كل سيارة هو ١٠٠ ليتر شهرياً، فنحن أمام كمية استهلاك تقدر بـ ١٤٨٠٠٠٠ لتر شهرياً بقيمة تزيد عن ٤ مليارات ل. س وفق السعر المدعوم، ويزيد هذا الرقم وفق سعر السوق السوداء مما يجعلها مصدراً مهماً للهدر والفساد حيث تجد كميات كبيرة من هذه المخصصات الشهرية للسيارات الحكومية طريقها إلى السوق السوداء.

ولو قدرنا وسطياً سعر السيارة الواحدة بـ ٥٠ مليون ل.س لتجاوزت أسعار هذه السيارات الـ ٧ مليارات ل. س.

بعد هذا العرض الموجز، أليس حرياً بالحكومة إن كانت جادة في مسعاها أن تبدأ بضبط الإنفاق أولاً من بيتها الداخلي عبر تكنيس الفساد المعشش في زواياه، وأن تعمل على تقليص أسطول سياراتها وتوجيه الوفورات المحققة منه في إقامة مشاريع تنموية صغيرة تسهم في تخفيف الأعباء المعيشية عن الفئات الشعبية الأكثر هشاشة في المجتمع؟!

العدد 1107 - 22/5/2024