لماذا صمت القيادة السياسية على قرارات القيادة الاقتصادية الليبرالية؟ .. لا للتفريط بملكية الدولة والشعبّ

 يوسف فرحة:

واهِمٌ من يظن أن مجرد قبول عودة سورية إلى عضوية الجامعة العربية يعني تدفق المساعدات للشعب السوري – فهي خديعة أصابت الناس بالخيبة بل باليأس، وهذا يعني أن زيادة الضغوط الأميركية والصهيونية على الدول العربية المطبّعة لمنع أي دعم لسورية بات واضحاً، والمطلوب أمريكياً إفشال أي محاولة لإنقاذ بعض ما وصل إليه الوضع الداخلي السوري، ومنع أي محاولة لمساعدة الشعب السوري لتخفيف المعاناة والجوع.

لم تغيّر الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها أهدافها بعد فشلها في الحرب الإرهابية على سورية خلال اثني عشر عاماً، بل هي تعمل اليوم على أخذ سورية من الداخل، من خلال الحصار وتوتير الوضع الداخلي، وزيادة النزعات الانفصالية في الشمال والجنوب السوري، ومن خلال تدريب مجموعات العملاء والمرتزقة التي تدعمها بالمال والسلاح كما جرى مع قسد، والهدف من ذلك تفكيك الدولة السورية وتحويلها إلى دولة فاشلة، ترافق ذلك مع تراجع الأتراك عن وعودهم مع روسيا، فقد أعلن أردوغان أنه لن يسحب جيشه من الأراضي السورية.

ما يؤرقنا هو الصمت الرسمي السوري عما هو قادم من توجهات للحل السياسي للأزمة السورية، والحل الأمثل لوضع الشعب السوري الجائع خاصة أن (الدورة الاستثنائية) لمجلس الشعب الخاصة بدراسة الوضع الاقتصادي والمعيشي في سورية وما تمخض عنها من قرارات، أصابت الناس بخيبة أمل تضاف إلى خيبات مضت – ومع حرصنا الأكيد على الثوابت الوطنية في السياسة السورية، ومعارضتنا لما يصدر من قرارات اقتصادية ليبرالية تزيد من تدهور اقتصاد البلاد، وكذلك سباق الحكومة مع المضاربين في تعويم العملة السورية أمام العملات الأجنبية، والتنازل عن مؤسسات حكومية عريقة كمؤسسة الطيران العربية السورية لصالح شركة استثمارية خاصة بعقد استثمار بالتراضي، إنما يعني سرقة موصوفة لإحدى أهم مؤسسات القطاع العام، مقابل أرقام زهيدة خلال فترة زمنية تصل إلى عشرين عاماً، تؤدي إلى المزيد من تدهور الحالة الاقتصادية والمعيشية للمواطنين مع تدهور قيمة الليرة السورية، مما يزيد من معاناتهم ومآسيهم اليومية مع ارتفاع حريق الأسعار كما حريق سوق ساروجة الذي التهم أعظم القصور التراثية الدمشقية، لتنفيذ الأجندات القديمة المتجددة لهدم حي ساروجة التاريخي خدمة لحيتان المال ومافيات الفساد التي باتت لا تخجل من الإعلان عن استعدادها لجعل سورية لقمة سائغة يسهل هضمها – يترافق ذلك مع تجاهل حكومي كامل لحالات الجوع والحرمان والألم ولصراخ السوريين من أجل تأمين الغذاء والدواء، ومن أجل حماية مستقبل أطفالهم الذي صار في مهبّ الريح، تحت حجج الحصار والعقوبات المفروضة على سورية، علماً أن كل المواد الغذائية والدواء مستثناة من هذه القوانين الظالمة، ويجري في الوقت نفسه استيراد مواد غذائية باهظة الثمن: الكافيار من عدة أنواع، والويسكي، وحتى السيارات موديل 2023 التي تباع بالمليارات.

وما يثير القلق أيضاً انفتاح الإعلام على استقبال أحد الكتاب المصريين المطبعين يوسف زيدان على شاشة المحطات السورية، دون أن يثير ذلك أيّ اهتمام أو محاسبة من المسؤولين رغم الغضب الشعبي من هذه المواقف.

إن خطورة الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في سورية وعدم وضوح الأفق للحل، والإرهاصات التي نشهدها على مختلف جبهات الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفي مجال الإعلام والتربية، يدفعنا للقول إن ما تعرضت له سورية وما زالت من الإرهاب والحصار والعقوبات الاقتصادية ليست منذ اثني عشر عاماً فقط بل منذ الثمانينات من القرن الماضي، يعيدنا هذا الوضع إلى الحلول التي كانت مختلفة، فقد أُعطيت مؤتمرات العمال والفلاحين صلاحيات واسعة آنذاك، وجرى الإصرار على دعم القطاع العام الاقتصادي الصناعي والإنشائي والزراعي والصحي والتعليمي، من خلال اتباع سياسة الأمن الغذائي الذاتي التي ضمنت الدولة السورية من السقوط، ووفرت الغذاء والدواء والتعليم والصحة والخدمات الأساسية للمواطنين.

ما يثير مخاوفنا اليوم، بعد أكثر من اثني عشر عاماً من الحرب الإرهابية على سورية، هو هذا التناقض الفاضح بين مواقف القيادة السياسية الوطنية المعادية للإمبريالية والصهيونية – ومواقف القيادة الاقتصادية التي تمعن في سياسة النهج الاقتصادي الليبرالي المدمر للبلاد وتسليم الوطن ومقدرات الشعب السوري إلى القطاع الخاص الطفيلي، ليقودنا إلى الاستسلام الكامل لدخول الشركات المتعددة الجنسيات، وفتح الحدود والمرافئ البرية والبحرية والجوية أمام كل من يتربص بسورية وشعبها وجيشها الذين قدموا التضحيات الجسام ومئات آلاف الشهداء من أجل الحفاظ على سورية موحدة وعلى كرامة الشعب السوري.

إن حرصنا على الثوابت الوطنية للسياسة السورية والإصرار على حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً، وتحرير الأراضي السورية المغتصبة من كل الاحتلالات الصهيونية والأمريكية والتركية، والحرص الأكيد على مصالح الشعب السوري وحقه في العيش الكريم، كانت وما زالت حجر الأساس في السياسة الوطنية لحزبنا، وكنا دائماً على استعداد لدفع ثمن رفض الإملاءات الإمبريالية التي تحاول الولايات المتحدة فرضها علينا، ونتساءل بعد كل ما جرى: أين نحن الآن؟ وماذا يعني الصمت؟ هل أُطلِقت رصاصة الرحمة على تاريخ الصمود الحقيقي لسورية وللشعب السوري العظيم؟

آن للقيادة السياسية للبلاد أن تجيب على أسئلة المواطنين السوريين.. ومخاوفهم.

(عضو الحزب الشيوعي السوري الموحد – عضو مكتب العلاقات الخارجية)

كندا –  2/08/2023

العدد 1104 - 24/4/2024