خواطر بعد الخيبة الثانية

كتب رئيس التحرير:

شكلت مخرجات الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب، ورسائل السيد رئيس مجلس الوزراء فيها، الخيبة الثانية للمواطنين السوريين الذين مازالوا يعانون آثار خيبتهم الأولى بعد (التقارب) العربي وعودة سورية إلى جامعة الدول العربية.

أولاً – بعد أن دُفع نحو ٨٥ بالمئة من المواطنين السوريين دفعاً إلى هاوية الفقراء، وبعد أن تراجعت الحكومات المتعاقبة عن مبدأ الرعاية تجاه الفئات الفقيرة، وبعد أن أصبح الحصول على رغيف الخبز وساعة الدفء وحبة الدواء أمراً صعباً للغاية، حرص الإعلام الرسمي بعد بدء عملية التقارب العربي مع سورية، على تصوير عودة ( الوعي ) العربي بأنه المنقذ للأوضاع الاقتصادية المتردية، والكاسر للعقوبات الأمريكية والأوربية التي خنقت الاقتصاد الوطني، وحملت الجوع للسوريين، وهي خطوة هامة في حل الأزمة السورية التي تسعى الولايات المتحدة إلى عرقلة أي جهد سلمي لحلها إذا لم يتوافق مع المخطط الأمريكي للمنطقة، الذي تشكل سورية العقبة الرئيسية في تحقيقه .. لكن هذا الإعلام لم يتطرق إلى المقابل الذي يأمل (العرب) بالحصول عليه، بعد أن غيّروا خطابهم المعروف تجاه الدولة السورية، وجاءت وثيقة (عمّان) ليصبح الأمر أكثر وضوحاً، إذ ربط الأشقاء بين المساعدات (السخية) التي سيقدمونها للدولة السورية بحزمة من المطالب ووفق مبدأ (خطوة مقابل خطوة)، وهنا أيضاً ورغم الموافقة السورية على هذه الوثيقة، لم يتطرق الإعلام الرسمي إلى أمرين اثنين:

الأول: هل تتوفر النوايا الجدية لدى القيادة السورية لتحقيق خطوات كانت حتى وقتٍ قريب، تصفها بأنها شأن داخلي سوري، وأنها إملاءات خارجية تهدف إلى عرقلة الحل السلمي للأزمة السورية؟

الثاني: هل سيمارس هذا التقارب تأثيره على الموقف الوطني الثابت للقيادة السورية تجاه المسألة الفلسطينية، خاصة أن المبادرين إلى التقارب العربي مع سورية تضمّهم (جوقة التطبيع) مع الكيان الصهيوني؟ وهو ما نبّهنا إليه نحن في الحزب الشيوعي السوري الموحد على صفحات جريدة (النور).

وهكذا تولّد لدى المواطن السوري شعور بالتفاؤل بقرب انتهاء معاناته، وعبّر الكثيرون عن ثقتهم بأن قطار الدعم تحرّك بالفعل تجاه الدولة السورية، وأن مليارات الدولارات ستتدفق بعد اختتام القمة العربية.. لكن ازدياد معاناة المواطنين السوريين، والارتفاع غير المسبوق لأسعار جميع السلع والخدمات والتراجع المخيف لقيمة الليرة السورية، كان الخيبة الأولى.

ثانياً- وقفت الحكومة موقف المتفرج إزاء التراجع المتسارع لقيمة الليرة السورية، وترافق ذلك مع زيادة للرسوم والضرائب غير المباشرة، وارتفاع لأسعار الخدمات الحكومية، ومؤشرات على عدم قدرة الحكومة على حل معضلة توفير الطاقة (كهرباء- مشتقات نفطية) ولجوئها إلى حلول جزئية عبر إشراك مستثمرين في توفيرها رغم التكاليف المرهقة التي سيتحملها المواطن، وجاء التأجيل المتواصل لزيادة الأجور، رغم الارتفاع الجنوني للأسعار، ليدرك المواطن أن الحكومة تركته وحيداً في مرحلة هي الأخطر في التاريخ السوري المعاصر.

وعند الإعلان عن الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب، عاد شعور التفاؤل إلى المواطن، فـ(ما حكّ جلدك مثل ظفرك)، لكن ما جرى في الجلسة وما عبّر عنه السيد رئيس مجلس الوزراء، والرسائل التي وجهها للمواطنين السوريين حول عبء الدعم الحكومي، وانخفاض إيرادات الحكومة، واستحالة الجمع بين دعم الإنتاج والسيطرة على أسعار القطع الأجنبي، أعاد المواطن إلى خانة اليأس، فحتى ظفرك لن يستطيع حكّ جلدك.

لقد عبّر حزبنا عن موقفه من التقارب العربي، والدورة الاستثنائية، في وثيقتين هامّتين، الأولى هي البلاغ الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية بتاريخ 13-14-7/2023، والثانية كلمة ممثّل الحزب تحت قبّة البرلمان خلال مداولات الدورة الاستثنائية، وقد نُشرتا على صفحات جريدة (النور).

ونؤكد هنا جوهر موقف الحزب الذي يتلخص بالنقاط التالية:

1- نحن مع الحل السلمي للأزمة السورية وفق الثوابت الوطنية السورية، المتمثلة بالسيادة وطرد الاحتلال الأجنبي ووحدة سورية أرضاً وشعباً.

2- صحيح أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية شأن اقتصادي واجتماعي، لكن علاجه لن يكون إلا بقرار سياسي.

3- ونرى أن هذا القرار سيكون معبّراً عن كلمة جميع السوريين إذا صدر عن مؤتمر حوار وطني شامل وموسع، تشارك فيه جميع الأطياف السياسية والاجتماعية والإثنية.

4- أن على الحكومة، رغم تراجع إيراداتها وتعطيلها لأدوات التأثير في الحياة الاقتصادية، عليها أن لا تنسحب من مبدأ الرعاية الحكومية للفئات الفقيرة، فاستمرار معاناة المواطنين ينذر بالمخاطر، ونرى أن تلافي هذه المخاطر يتطلب اتخاذ الحكومة لإجراءات إسعافية سريعة تخفف من معاناة المواطنين، رغم الأوضاع الصعبة التي ذكرها السيد رئيس مجلس الوزراء.

إذ تبرز اليوم أولويات يأتي في مقدمتها عدم السماح لأعداء سورية باستغلال غضب المواطنين السوريين بعد التدهور المرعب في أوضاعهم المعيشية، إذ يمكن استغلاله من قبل الولايات المتحدة وحلفائها في محاولة لأخذ سورية من الداخل، بعد أن عجزت عن أخذها عبر أدواتها الإرهابية.

المطلوب اليوم تغليب مصلحة الوطن والشعب على أي مصلحة أخرى، حينئذٍ ستصبح خيبات المواطن السوري مجرد ذكرى أليمة..

فهل نفعل؟!

العدد 1104 - 24/4/2024