محصول القمح.. حسابات الحقل والبيدر

حسين حسين:

تقدّر حاجة سورية من القمح بنحو 2.5 – 3 ملايين طن، يتم تأمين قسم منها عن طريق الإنتاج المحلي والقسم الآخر عبر الاستيراد، وخلال السنوات الماضية كان الميزان يميل لصالح الاستيراد على حساب الإنتاج المحلي، وذلك بسبب عدة عوامل منها خروج مساحات واسعة من الأراضي المخصصة لزراعة القمح من سيطرة الحكومة وتوزعها تحت سيطرة الإرهابيين والمجموعات الانفصالية في الشرق والشمال الشرقي، إضافة إلى ضعف سياسات الدعم الحقيقي لهذا المحصول الاستراتيجي، وسياسات التسعير المجحفة التي أدت وسوف تؤدي لاحقاً إلى عزوف الكثير من الفلاحين عن زراعته  واستبداله بمحاصيل أخرى أكثر جدوى اقتصادية، مما يؤدي إلى تراجع في المساحات والإنتاج وزيادة في فاتورة الاستيراد وتعريض الأمن الغذائي للخطر.

 

حساب البيدر لم يطابق حساب الحقل

بحسب صفحة الإعلام الزراعي بتاريخ 19/2/2023 بلغت المساحات المزروعة بمحصول القمح 1249584 هكتاراً على كامل الأراضي السورية، وكانت صفحة رئاسة مجلس الوزراء قد نقلت بتاريخ 3/7/2023 عن مدير الإنتاج النباتي في وزارة الزراعة المهندس أحمد حيدر: (أن المساحة المحصودة من محصول القمح بلغت حتى الآن 1140669 هكتاراً منها 393471  هكتاراً في المناطق الأمنة من إجمالي المساحة المزروعة في المناطق الآمنة والبالغة 517262  هكتاراً، وبلغت الكميات المسوّقة للمؤسسة السورية للحبوب 605504 أطنان و 29062 طناً للمؤسسة العامة لإكثار البذار، فيكون إجمالي الكميات المسوقة حتى الآن 634566 طن).

بالاستناد إلى الأرقام الواردة أعلاه يتبين أنه تم حصاد 90% من المساحات المزروعة بالقمح، بواقع إنتاج 1800 كغ لكل هكتار تم تسليمها للمؤسسة العامة للحبوب، وتكون الكميات المتوقع استلامها بحسب المساحة المتبقية  هي 196047  طناً، وبالتالي فإن مجمل الكميات المتوقع تسليمها إلى المؤسسة العامة للحبوب في أحسن الأحوال هي 830613 طناً وستكون هذه الكمية أقل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب الكميات الموردة  إلى المؤسسة العامة للحبوب هي من المناطق الآمنة، وذلك تبعاً للمساحة المتبقية دون حصاد في هذه المناطق، وهو ما يخالف التوقعات الحكومية المتفائلة بأن يبلغ إجمالي كميات الأقماح المسلّمة لهذا الموسم مليون طن من جميع المحافظات ، وربما ذلك ما حدا بوزير الزراعة، في تصريح سابق لصحيفة الوطن السورية بتاريخ 22/6/2023 رداً على سؤال عن تقديرات إنتاج القمح على مستوى القطر وما تشكله من نسبة الاحتياج إلى القول: (إن تقديرات الإنتاج الحقيقية لن نعلن عنها بوضوح إلا أنها ستشكل وستؤمن نسبة جيدة من الاحتياج.. آملاً من الفلاحين تسليم كامل إنتاجهم والاحتفاظ فقط بما يحتاجونه من بذار واحتياجات منزلية).

 

تآكل قيمة السعر المحدد للقمح

خلال الفترة الممتدة من 4/5/2023 تاريخ تحديد اللجنة الاقتصادية سعر شراء كيلو القمح بـ 2500 ل. س مضافاً إليه مبلغ 300 ل.س كحوافز تشجيعية لزراعة القمح وتسليمه، حتى تاريخ 7/7/2023 انخفضت قيمة الليرة السورية مقابل الدولار بمعدل 13% فقد ارتفع الدولار وفق النشرات الرسمية من (7500 إلى 8500) ويكون الفارق وفق حساب سعر القمح بالدولار الرسمي خلال الفترة ذاتها 0،044 دولار وهو ما يعادل 374 ل. س. خسارة من القيمة الحقيقية للسعر المحدد للقمح بسبب عوامل التضخم والـتآكل المستمرة لقيمة الليرة السورية، وستكون خسائر الفلاحين أكبر إذا ما قيست وفق سعر الصرف الموازي في السوق السوداء.

 

توصية حكومية متأخرة وغير مشجعة

بحسب صفحة الإعلام الزراعي وافق رئيس مجلس الوزراء المهندس حسين عرنوس على توجيه اللجنة الاقتصادية المتضمنة منح الفلاحين مكافأة تشجيعية قدرها 200 ل.س لكل كيلو غرام عند قيامهم بتسليم أقماح من موسم هذا العام إلى مراكز الاستلام المعتمدة أصولاً للمؤسسة السورية للحبوب في محافظة دير الزور والواردة من المناطق غير الآمنة عبر المعابر التي تم اعتمادها بشكل نظامي، وذلك بهدف استلام أكبر كمية ممكنة من الأقماح بما يساهم في تعزيز مخزون القمح وتأمين مادة الخبز.

إن التوصية أعلاه التي ترفع سعر القمح إلى 3000 ل.س لن تشكل حافزاً تشجيعياً للفلاحين في المناطق غير الآمنة لتسليم محصولهم من القمح خاصة إذا ما علمنا أن الإدارة الذاتية قد حدّدت مع بداية هذا الموسم سعر شراء القمح بـ43 سنتاً لكل كيلو غرام بما يعادله 3655 ل.س وفق سعر الصرف الرسمي، على أن يتم تسليم ثمن المحصول بالدولار أو ما يعادله وفق سعر صرف الدولار، وهو ما يشكل عامل حماية للفلاحين من مخاطر التضخم لحين تسليمهم محصول القمح.

وكذلك فإن التوصية أعلاه تدلل على إدراك الحكومة بعدما قارب موسم القمح على نهايته على أنها لن تصل إلى حدود أرقامها التفاؤلية بما يخص الكميات المتوقع استلامها من القمح.

 

قمح خارج التصنيف

توصي التوجيهات الحكومية باستلام كامل الكميات الموردة إلى مراكز الحبوب وبأنه لا يجوز رفض أي كمية منها مهما كانت الأسباب، ولعل التوصية أعلاه تبيّن أن مجمل الكميات الموردة إلى مؤسسة الحبوب تتضمن ما هو خارج عن التصنيف وما هو مخصص للأعلاف، فالتعليمات تبين أن نسبة الأجرام التي تصل إلى 30% وما فوق تصنف كمياتها على أنها مخصصة للأعلاف، وفي هذا الشأن أوضح رئيس الاتحاد المهني لعمال الصناعات الغذائية والزراعة (أن الكميات المستلمة خارج التصنيف تبلغ 2329 طن من مجموع كميات الاستلام على مستوى القطر).

إن مجمل المبالغ المالية المصروفة للفلاحين بالقياس إلى كميات الأقماح المسلمة توضح أن النسبة الأكبر من القمح المورد إلى مراكز الحبوب هو من الواقع خارج التصنيف التي تطبق على نسبة أجرام 23% بسعر 2425 ل. س.

 

ختاماً

يعد القمح من المحاصيل الاستراتيجية التي ترتبط بالأمن الغذائي وبخبز المواطن ولا يجوز بأي حال من الأحوال التفريط بحبة قمح واحدة، فالقمح سلاح قديم حديث تستخدمه المراكز الإمبريالية في إخضاع الشعوب الباحثة عن حريتها واستقلالها، إلا أن السياسات الحكومية المتعلقة بهذا المحصول الاستراتيجي لا تدلل على اهتمام حقيقي به وبمصلحة الفلاحين واستمرار زراعته، فغياب الدعم الحقيقي لمستلزمات الإنتاج، والتسعير المجحف لن يؤديا إلا إلى عزوف الفلاحين لاحقاً عن الاستمرار بهذه الزراعة واللجوء إلى زراعات أخرى أكثر جدوى اقتصادية وهو ما يصبّ تماماً في مصلحة كبار التجار والمستوردين للقمح، فكل نقص في المساحات المزروعة بالقمح وما يترتب عليه من نقص في الإنتاج سيتم تعويضه عن طريق الاستيراد لتلبية الحاجة المحلية من هذا المحصول الاستراتيجي مما يجعل الأمن الغذائي للبلد وخبز الشعب رهينة بأيدي قلة ناهبة متحكمة ومرتبطة بالخارج.

العدد 1105 - 01/5/2024