عتب إلى عاصي الرحباني

صفاء طعمة:

في ذكرى رحيلك السابعة والثلاثين التي تصادف اليوم، أتوجه إليك بعتب كبير نابع من محبتي الكبيرة، كما قلت في إحدى أغانيك.

حاولت الأسبوع الماضي أن أعبر الحدود إلى لبنان لمسألة خاصة بي، لكن المسؤولين على الحدود القائمة منعوني مرتين من العبور بحجة عدم اكتمال الأوراق وأن لا عذر يوجب السماح، وأن التصاريح لم تكن (مقنعة) لذلك لم يأخذ بها ضباط الحدود، من الطرفين، ولم تكن كافية، حسب رأيهم، لاختراق تعاليم (قيصر) المقدسة.

وكانت النتيجة بعد أخذ ورد أن عدت مع خفّي طواعية ودون مقاومة.

انا ابنة العاصي يا عاصي.. أحمل مثلك في عروقي جيناته العاصية المتمردة نفسها، وأكره مثله الإجبار والانصياع.

أنا جارة سهل البقاع ونديمة القرنة السوداء الحبيبة، رفيقة أحلامي في الطفولة والمراهقة.. لطالما تصورت أن راجح يسكن خلف الجبل البعيد وتخيلته دائماً يرقص مع هولو مع ورق الحور والدلب على أغاني البوسطة.

عبرت في شبابي إلى لبنانك (الأخضر الحلو) ومشيت (قفز غزال) على (الجسر الخشبي) و(جسر اللوزية)،

كان لي فيه أحلام وآمال وحياة أحببتها، وصار لي فيه أصدقاء وأحبة لا يتكررون وسيبقون أبداً بقاء أعمدة بعلبك وشجر الأرز ولزاب العرعر، الذي تتشاركه سفوح جبالنا الشامخة وتترابط جذورها على قممه رغم أنف قلم السيد سايكس وممحاة المسيو بيكو.

سهرت تحت نجومه وضوء قمره الناقص لياليَ طويلة.. كما حمّلتني الريح الشمالية أجمل الذكريات..

فكيف يا عاصي لم تحدثني عن كل ذلك قبل أن أحزم الفرح حقائب لهفة وأسافر على طرف (شال رندلى)؟!

كيف ترضى أن يبقى هذا الوضع بين شٱم التي أحببتها وأختها بيروت دون أن تصالحهم بـ(جوقة دفّ وقوّالة ولفتات الريح)؟!

أولم يحن أوان أن تزهق تلك الواو الكافرة لتهوي معها حدود (العليق والمساكب السوداء) التي غذّت الطائفية والمناطقية في كلا البلدين؟!

أعرف وأنا (كلّي إيمان) أن الجواب هو النفي.

أنا مثلك يا عاصي، لن يقوى جيش أو قانون في العالم كله على تغيير محبتي لأرض بلادك ولطبيعته ونباتاته وأرزه وشجر الدلب فيه..

سيكون لبنان دوماً (قطعة سما) وامتداداً طبيعياً لسماء بلادي الجريحة..

وستبقى ألحانك تجمع قلوبنا رغم محاولات التفرقة بين الأهل، وسأعلق دائماً كما كل السوريين على أبوابنا وخاصرتنا (خرزتنا الزرقاء) وأرنّم معك ومع من أحب:

(إن ما سهرنا ببيروت بنسهر بالشام)!

العدد 1105 - 01/5/2024