المواطن الهَشّ والأولويات الحكومية

حسين حسين:

لو قلت لأي مواطن سوري في أي بقعة من هذه الجغرافيا المهشمة إن الحكومة السورية قد اجتمعت اليوم أو إن ممثلي الحكومة في اجتماعاتهم مع المنظمات الشعبية والنقابات المهنية قد أدلوا بمداخلاتهم حول الأولويات الحكومية، لقاطع كلامك بإشارة من يده محدّداً لك تلك الأولويات عن ظهر قلب من كثرة ماتردّدت على مسامعه وهي:

_ أولوية دعم القطاع الزراعي وتطويره والحفاظ عليه ودعمه بكل مستلزمات العملية الإنتاجية من أسمدة ومحروقات وزيادة المساحات المزروعه وتثبيت الفلاح في أرضه.

_ أولوية دعم القطاع الصناعي عبر تأمين متطلبات الانتاج وإدارة الموارد المتوفرة وفق الامكانات المتاحة.

_أولوية دعم قطاعي الصحة والتعليم.

_أولوية هيكلة الدعم وتوجيهه لمستحقيه من الشرائح الأكثر احتياجاً

_أولوية تحسين الوضع المعيشي وواقع الرواتب والأجور للعاملين في الدولة والمتقاعدين.

كثرت الاجتماعات الحكومية في الآونة الاخيرة وتصدّرت عناوين (تحسين الواقع المعيشي للعاملين بأجر وتوجيه الدعم لمستحقيه من الطبقات المفقرة قسراً)!!؟_جدولَ أعمال الحكومة لتضاف في هذه الاجتماعات صفة جديدة _قديمة  لهذه الفئة المسحوقة ألا وهي (الهشّة)، فالحكومات السورية المتلاحقة وكونها من فئة الحكومات الملتصقة بهموم المواطنين والعمال وذلك كونها معهم في قارب واحد، تدرك حقيقة أن تصنيف هذه الطبقة بالفقيرة وبالأشد احتياجاً لم تعد تعبر عن واقع العوز والعجز والجوع الذي تعيشه، وهي تعلم أن سوء التغذية الذي يعاني منه المواطن السوري واكتفاءه بأسوأ خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية ستؤثر سلباً على هشاشة عظامه وتخلخلها وتفرط عقد عموده الفقري تحت ضغط الواقع المعيشي الرهيب الذي يعيشه، ولذلك تم استخدام هذا التصنيف المعبر عن الحالة المتطورة للمأساة السورية.

ولأن تحسين الواقع المعيشي للمواطنين يأتي في صلب اهتمامات الحكومة وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 30/5/2023 وبعد أن تضمن جدول أعماله العديد من الأولويات على إضافة مادة البرغل المنتجة محلياً على البطاقة الذكية!!؟ وهذه هي الخطوة الأولى في حل مشكلة الواقع المرير الذي تعيشه الفئات الشعبية البائسة، أما الخطوات اللاحقة فما زالت في طور التنقيب والبحث والبحش بحثاً عن مصادر تمويل لأي زيادة مرتقبة ستلتهمها مسبقاً الارتفاعات السعرية المنفلتة من عقالها ورفع الدعم عن حوامل الطاقة وصولاً إلى تصفيرها لاحقاً.

إن ما يهم المواطن بالدرجة الاولى هي أولويته المعيشية وتحسين دخله بما يتناسب مع الحد الادنى لمتطلبات المعيشة، فلا يشبع الفلاح مثلاً الأحاديث الإنشائية عن أنه (لبنة أساسية من لبنات بناء الوطن) وخاصة بأن اللبنة وكل مشتقات الحليب بعيدة عنه وعن أفواه أبنائه، ولايعدل من التواء ظهر العامل بسبب ساعات العمل الإضافية الطويلة وسوء التغذية وصفه بأنه (العمود الفقري للوطن)!

ولكن هذه الأولوية لا يمكن الوصول إليها دون العمل على تحقيقق باقي الأولويات وفي مقدمتها (الزراعة والصناعة) وبشكل متواز عبر تأمين بنيتها التحتية ومستلزمات الإنتاج فيها لكي تقوم بدورها الاقتصادي على المستوى الوطني بما يسهم في تجفيف منابع الفقر والبطالة وتخفيض معدلات التضخم، ولكن مع غياب الإرادة الحقيقية ستبقى هذه الأولويات رهينة الأدراج المظلمة ولاتخرج للعلن إلا للاستهلاك الإعلامي مع إضافة مصطلحات جديدة في كل مرة.

ويشي لنا الواقع بأن هناك قطاعاً آخر يحظى بكل اهتمام ورعاية الحكومة يتلطّى خلف القرارات التي تصدر عنها ولا يتم التصريح به بشكل رسمي ولكنه أولوية الأولويات بالنسبة لها وتسخر لأجل عينيه كل عيون الشعب وخبزه، ألا وهو قطاع أصحاب الثروات من محدثي النعمة من فاسدين وأثرياء حرب وكبار التجار والرأسماليين التقليديين المتحكمين بلقمة العيش.

فالأولوية الحقيقية هي لتحقيق مصالحهم ولو كان ذلك على حساب العمود الفقري للوطن أو على حساب إحدى لبنات بنائه الأساسية، وبالتالي على حساب الغالبية المفقرة العاجزة عن إكمال الـ29 يوماً المتبقية من الشهر.

العدد 1132 - 13/11/2024