المواطن المتسول والحكومة التي لا تنام

حسين حسين:

رغم كل الحراك السياسي الحاصل على الساحتين العربية والإقليمية، واللقاءات السورية_التركية وعودة سورية إلى حضنها العربي، وكل المؤشرات التي تدلل على أن حلولاً تلوح في الأفق لإنهاء المأساة السورية وما يبنى عليه إيجاباً من تحسن مفترض يطرأ على الواقع الاقتصادي للبلاد ولو بشكل جزئي، إلا أن المؤشرات القادمة من جيوب المواطنين السوريين ومن موائدهم، التي تفقد كل يوم أحد أطباق الطعام، تشير إلى أن ما كان يلوح في الأفق لا يتعدى كونه خازوقاً تنجّره طغمة النهّابين وأثرياء الحرب المتضررين من أي حلٍ سياسي يحدّ من فسادهم وإمعانهم في النهب.

فالليرة السورية في حالة سقوط حر والأسعار في حالة صعود صاروخي، وما بين السقوط والصعود تتآكل مداخيل المواطنين السوريين العاجزة أساساً عن تأمين علبة حليب لأطفالهم إن توفرت في الصيدليات، أو وجبة طعام ليومين، أو شراء بنطال أو روشتة دواء!!؟؟ وواقع الحال أن سياسة شد الأحزمة على البطون لم تعد تجدي نفعاً ولا تقي المواطن لذعات الجوع الناشبة في عروقه، وصار سؤاله الوجودي الأوحد وهو يطارد وسائل االنقل أو واقفاً في طوابير الانتظار أو مهرولاً وملتفاً في أزقة جانبية هرباً من البقال والسمان واللحام صار السؤال: كيف أحيا يومي هذا؟! وهو ما يضعه في صف الفلاسفة الباحثين عن أجوبة لأسئلتهم الوجودية دون أن يحصلوا على جواب مقنع.

وصار لزاماً على المواطن السوري الذي يعيش بحدود التقشف القصوى أن يعمل عملين أو أكثر في اليوم الواحد ليتمكن من الصمود وتفادي السقوط في هوة الموت جوعاً، وهذا العمل الإضافي لا يحصّنه من الحاجة إلى الإعانات والمساعدات الإنسانية ولا من أن يعيد ارتداء ما بلي من ثيابه وترتيق ما فتق منها، فارتداء الخرق البالية والأحذية المقشرة الجلد أفضل من السير عارياً في الشوارع.

وما إن يسدل الليل ستاره وتشتعل أضواء اللدات الشحيحة وتنفد بطاريات الموبايلات بسبب طول فترات انقطاع الكهرباء، حتى تبدأ تظهر على المواطن السوري علائم الرعب: من تعرّق بارد وارتخاء في المفاصل وتبلّد بالأحاسيس وجحوظ في العينين، وجلّ ما يتمناه أن تمضي الليلة على خير وأن تنام الحكومة مبكراً، وألا تصدر قراراً جديداً برفع سعر إحدى المواد المقننة، إلا أن الصباح يشي له بقرارات رفع جديدة تطول المواد الأساسية، ومنها القرار الأخير برفع سعر أسطوانة الغاز المنزلي والصناعي، والبنزين أوكتان 95.

ولكن الحكومة الحريصة على لقمة المواطن لا تلبث أن تجتمع نهاراً لمناقشة الواقعين الاقتصادي والمعيشي والخطوات الحكومية لمعالجة الظروف الراهنة وتحسين الأوضاع الخدمية والتنموية والمعيشية، مؤكدة أهمية وضع الدعم في مكانه الصحيح وتوجيهه إلى محتاجيه الفعليين ومستحقيه من الشرائح الأكثر حاجة.. وتوظيف الوفورات المحققة لتحسين الأوضاع المعيشية للعاملين والمتقاعدين وتخفيض العجز في الموازنة.

ورغم الحديث المكرر عن توجيه الدعم لمستحقيه وعن الوفورات المحققة من تكتيكات الانسحاب التدريجي للحكومة من دورها الرعائي إلأ أن المواطن لم يلحظ أي تحسن في واقعه المعيشي، بل وصل إلى حالٍ يرثي لها القريب والبعيد، والسؤال الذي يتردد على لسانه: متى يصل جزء من هذه الوفورات إلى جيبه؟ فيصله الجواب سريعاً من قلب حاوية القمامة: ابتعد عن حاويتي.. شفلك حاوية تانية أنبش فيها!

العدد 1107 - 22/5/2024