متى يتحسّن وضعنا الاقتصادي والمعيشي؟!

علي شوكت:

لا شك بأن جهوداً ومساعي حميدة دولية وعربية كبيرة بُذلت لعودة سورية لتحتل مقعدها في جامعة الدول العربية. لُمِس ذلك من خلال الترحيب الدولي من جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وعدد كبير من الدول الصديقة والدول العربية التي عبّر قادتها في كلماتهم الافتتاحية في القمة العربية الثانية والثلاثين المنعقدة في جدة بتاريخ 19/5/2023 عن حق سورية في الدفاع عن سيادتها واستقلالها، وسحب جميع القوى العسكرية غير الشرعية الموجودة على أراضيها.

ولا شك أن هذه العودة المحمودة على المستوى السياسي الدولي جاءت نتيجة جهود دولية حثيثة، وفي ظل وضع دولي جديد وبداية مسار سياسي عالمي متغير يبرز فيه اصطفافات دولية وإقليمية واضحة المعالم، بمواجهة هيمنة القطب الواحد الذي تقوده الإمبريالية العالمية ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، كان أبرزها الضغوط التي مورست على روسيا في تمدد حلف الناتو باتجاه حدودها وزج أوكرانيا بمواجهة عسكرية محفوفة المخاطر مدعومة أمريكياً بشكل كبير، ومن خلالها جرى الضغط على دول الاتحاد الأوربي لزيادة مساعداتها العسكرية والمادية لدعم حكومة زيلنسكي المنقادة بشكل مطلق للسياسات والأهواء الأمريكية ما دفع روسيا دفعاً لعمليتها العسكرية في أوكرانيا وهي تجاوزت عامها الأول منذرة بتوسع رقعة الحرب وامتدادها لتكون بداية لحرب عالمية ثالثة ستكون من أكبر الكوارث العالمية فيما لو استُخدمت أسلحة غير تقليدية بعد التهديدات المتبادلة بين قطبي الصراع الروسي الأمريكي، سيكون الخاسر الأكبر هم الأوربيين أنفسهم في المعادلات العسكرية والاقتصادية والرابح الأبرز هي أمريكا، لكون الصراع لا يجري على أراضيها.

وبالعودة إلى الواقع السوري وعودتها لتمارس دورها العربي المنوط بها تحت شعار تم تبنيه من دول جامعة العربية التي سمّيت قمتها بعودة لم الشمل والتضامن العربي. هذا الواقع يجعلنا أمام تحديات مصيرية حقيقية، فبعد اثني عشر عاماً من حرب معقدة ومركبة إقليمياً ودولياً ووضع داخلي أسهم بشكل أو بآخر في تلك الحرب، نتساءل عن الدور الذي ستلعبه سورية دولياً وعربياً، والأهم على المستوى الداخلي للبلاد.

وبالانطلاق من الظروف الدولية والعربية الناشئة والراهنة واستخلاص العبر من سنوات الحرب وما نتج عنها من تأثيرات سلبية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كافة، والمخاطر التي باتت أمراً واقعاً ضاغطاً على الجماهير الشعبية وصلت إلى حدود تنذر بكارثة إنسانية وأخلاقية اجتماعية، خاصة الطبقات الأشد تضرراً في المجتمع السوري من عمال وكادحين وصغار كسبة وعاملين بأجر سواء في القطاع الحكومي الأشد تضرراً والقطاع الخاص ولو بنسب مختلفة قليلاً لكنه يعاني ما يعانيه القطاع العام.

تبرز خلف كل ذلك تساؤلات جوهرية عن كيفية انعكاس عودة العلاقات السورية العربية والدولية على الواقع الاقتصادي السوري الداخلي، وكيف ستتلقف السلطة السياسية والحكومة ذلك وتوظفه بشكل جيد وواعي في تحسين الواقع الاقتصادي والمعيشي للناس؟ وهل ستحاول الخروج من الأزمة الاقتصادية والفقر المدقع الذي وصل إليه المواطن السوري؟

إلى اليوم، لم نجد انعكاساً ملحوظاً أو أي تحسن ولو كان نفسياً على الاقتصاد الداخلي أو أي تغيير سياسي في النهج الاقتصادي، فمازال الوضع الاقتصادي في تراجع مطرد وقاسٍ ووصل سعر صرف الليرة لحدود قياسية يكاد يقترب من عشرة آلاف ليرة للدولار الواحد، وهو يكاد يكون انهياراً تاماً لليرة أمام العملات الأخرى، في حين كان يعول على وجود سورية وحضور الرئيس السوري إلى القمة العربية في جدة أن ينعكس تحسناً ولو طفيفاً للواقع الاقتصادي بناء على كلام خبراء اقتصاديين محليين ودوليين.

إن الإجراءات والحلول الترقيعية الحكومية المتبعة تظهر انحيازها بشكل واضح نحو اقتصاد السوق الحر تلبية لاحتياجات فئة بازغة استفادت بشكل كبير من تبعات الحرب وأثرت على حساب الشعب ولقمة عيشه، وتبني سياسات اقتصادية ليبرالية وتخليها عن الدور الرعائي من خلال تقليص الدعم الممنهج للشريحة الأكثر فقراً في سعيها الدائم إلى تقليص فاتورة المستوردات ورفع الأسعار الفجائي غير المدروس، فيما بالمقابل تبقى سلسلة زيادة الاجور والرواتب ثابتة ومعلقة دون تغيير لمزيد من الدراسة والاستمهال.

جميعنا يعلم أن التحسن الاقتصادي مبني على أقانيم ثابتة، أهمها الوضع السياسي الجيد والاستقرار الأمني والقوانين المشجعة والمحفزة على الاستثمار، وكسر حلقات الفساد والمحاصصة والحد من البيروقراطية في اتخاذ القرارات، وتأمين البنى التحتية اللازمة ومستلزمات الإنتاج، ووضع خطط منظمة لاستثمار كل الإمكانيات من الموارد البشرية والطبيعية، لجعل الميزان التجاري يعود للتعافي والاستقرار ومن ثم التوازن والانطلاق مجدداً كي يكون رابحاً بزيادة الصادرات بعد الاكتفاء الذاتي، والوصول إلى عتبة الأمان على حساب الواردات، ودون ذلك سيبقى الوضع الاقتصادي دون تحسن ويبقى الفقر هو السمة الأبرز يقض مضجع أكبر شرائح المجتمع. فقد بلغ السيل الزبى وبلغت القلوب الحناجر ولم يعد لصبر ناس مُتسعٌ ومَعين.

العدد 1105 - 01/5/2024