من أين يبدأ التقدم؟

يونس صالح:

البعض يقول: التعليم هو البداية، فالمعرفة هي أداة التقدم، وأول وسائل المعرفة اتساع دائرة التعليم.

آخرون يقولون: بل العلم واكتساب التكنولوجيا، فالوعي بالحاجة إلى التقدم لا يصنع وحده القفزة المنشودة، ولا بد من امتلاك الأدوات، وأدوات العصر علومٌ متقدمة تتمرد على الكثير من الأنماط التي عاشها الإنسان منذ بدء الخليقة. إنها تقدّم عبر تكنولوجيا متطورة بديلاً للمواد الطبيعية التي كنا نظن أنها تحكم اقتصادات العالم، بل إنها تدخل في تغيير المواصفات البيولوجية للإنسان. فريق ثالث يربط التقدم بالاقتصاد.. بالبناء المادي وليس بالإنسان، بمقدار ما تتسع الثروة تزيد القدرة على امتلاك ناصية التقدم.

المداخل للتقدم كثيرة ومتنوعة، وأحدها بالضرورة لابد أن يمس دائرة الطفل، فهو البداية وهو المستقبل.

لقد كان الطفل موضع انتباه دائم، حتى إن الأدبيات السورية القديمة كانت تتحدث عن كيفية صناعة طفل أكثر شجاعة أو أكثر بلاغة أو أكثر إخلاصاً وإيثاراً للذات. والطفل هو الكائن الأضعف، لذا فهو يلقى رعاية أكثر.. ومع ذلك فهو عندنا الآن بصورة عامة طفل بائس مهدد وجائع مشرّد، يلقى عسف المعاملة عند الهجرة، كما يلقى حتفه في العمليات المسلحة.

لقد مر على بلادنا أكثر من عقد، والوضع الأمني لايزال في دائرة الخطر، ويمزق مجتمعنا السوري، والسمة الأساسية التي يتميز بها هذا الوضع، هي أن الأطفال هم الأشد معاناة بسببه. لا تشير الإحصاءات إلى عدد الأطفال الذين قضوا نحبهم نتيجة ذلك، ولكن من المؤكد أن الأعداد كبيرة.. كما أن أعداد الأطفال المشردين لم يتم إحصاؤها بعد، وهناك أعداد كبيرة من الأطفال الذين خسروا عائلاتهم، وأصبحوا يتامى. كما أن هناك نقصاً في الغذاء والأدوية وفرص الصحة والتعليم وغيرها.

إن بلادنا في مجملها تعاني من الفقر، الذي يقع بثقله على الأطفال فهم ضحاياه بالدرجة الأولى.. ولا يعود السبب في ذلك إلى الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد فقط، وإنما يعود أيضاً إلى السياسات التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة على البلاد، والتي لم تولِ أي اهتمام لمجابهة هذا الحصار، واتخاذ التدابير الضرورية التي تحدّ من تأثيراته.. وإنما على العكس من ذلك.

فموارد البلاد توزّع توزيعاً غير عادل، وهناك معدل منخفض لمؤشرات الصحة، والأطفال يموتون بكثافة، ويتراجع معدل الحياة في البلاد، وكذلك الالتحاق بالمدارس، وتزداد الأمية بين الأطفال، وكذلك التسرب من المدارس، فأي نوع من الحياة المادية والمعنوية يلقاها الأطفال عندنا؟

إن هذا السؤال يحتاج إلى بحث موسع، ولكنه يحمل في طياته الإجابة، وهي تكمن في إعادة النظر بصورة جذرية في سياسة البلاد الاقتصادية والاجتماعية، باتجاه تلبية متطلبات الشعب السوري وحاجاته، والأطفال على رأس الأوليات لأنهم المستقبل، وتلبية متطلبات التنمية الشاملة والمستدامة.

العدد 1104 - 24/4/2024