خمسون يوماً على كارثة الزلزال في سورية

صفوان داؤد:

تكاد لا تخلو دولة في العالم أو بالأحرى لا توجد دولة في العالم إلا وتتعرض لكوارث طبيعية، فالفيضانات أصبحت معروفة في جنوب آسيا، في بنغلادش والهند وباكستان، والجفاف في دول جنوب الصحراء الإفريقية، والأعاصير في الولايات المتحدة ودول الكاريبي، والزلازل كما في اليابان وإيران، وما حصل أخيراً في سورية وتركيا. لكن قدرة الإنسان كبيرة جداً في التعامل مع هذه الكوارث بالتدابير الوقائية أو بالاستجابة المناسبة عند حصول الكارثة.

ويقدم التعامل مع الكوارث صورة عملية لواقع البلد المتضرر من حيث مرونة المؤسسات العاملة فيه، وكفاءة الأفراد الموجودين عند مواقع اتخاذ القرار، وجودة البنية التحتية العامة والرقمية للبلاد المتضررة نتيجة الكارثة. وعلى هذه العوامل الثلاثة يمكن لأي بلد أن يتجاوز القسم الأكبر من آثار الكوارث مهما كانت شدتها.

في سورية وقع زلزال غير مسبوق تاريخياً في شدته، وفي تأثيراته الكارثية، ولم يسبق أن سُجّل مثيل له منذ قرون، وكان تأثيره هائلاً على محافظات حلب وإدلب وحماه واللاذقية، وأدى في حصيلة رسمية مؤقتة إلى وفاة 5914 مواطن، وخسائر تقديرية مباشرة وغير مباشرة بنحو 50 مليار دولار، وإلى انكماش اقتصادي بنحو 5.5% من الناتج المحلي لسورية بحسب تقديرات البنك الدولي. ورغم بعض الجهود الفاعلة التي بُذلت في عمليات الإنقاذ والجهود المبذولة لتلافي آثار الكارثة، أظهر الزلزال عمق الأزمات والضعف الذي تعاني منه البلاد في مواجهة مثل هذه الحالات الاستثنائية. خلال ٤٨ ساعة الأولى بعد الزلزال وهي الحاسمة لعمليات الإنقاذ والحفاظ على الأرواح، لم نجد منصة تنسيق واحدة تجمع الأطراف المعنية في المحافظات المنكوبة، ليس لاعتراف بعضها ببعض، وإنما لتبادل المعلومات الواردة عن نتائج الكارثة من المصابين والخسائر، إلى نقل اللوجستيات وإجراء الإسعافات، والتنسيق عند الحد الأدنى المطلوب، كي لا تقع مناطق محددة تحت تداعيات ما بعد الكارثة كان يمكن تجنبها، أو نسيانها كما حصل في شريط واسع من جغرافيا محافظة إدلب الغربية. خلال الأيام التالية للكارثة غاب الممثلون الرسميون من أعضاء مجلس الشعب أو الوزراء، أو من شخصيات الحزب الحاكم عن الوجود في المناطق المنكوبة؛ يلتف الناس حولهم وقت الشدة عندما يكونون فعلاً هم بحاجة لمن يقف معهم، أو على الأقل ليثبتوا للمواطنين المنكوبين أن هناك من يهتم بهم ويستمع لمطالبهم. معظمهم تحاشى مقابلة المواطنين وجهاً لوجه، خائفين ومقصّرين في أداء واجبهم.

في غياب ممثلي الدولة عن المشهد، ضاع الناس في التقاط الأخبار الموثوقة عما حدث وماذا سيحصل، ولأيام عديدة عاش مئات ألوف السوريين يترقبون قلقين وهم يتعرضون لكمّ هائل من الأخبار المضلّلة وغير الدقيقة، عن أن زلزالاً آخر قادم أكثر شدّة. ولم يكن لهم خيار سوى تلقّي خبر هنا ومعلومة هناك، وغابت ضمن هذا التشوّش جهةٌ إعلامية رسمية موثوقة تكون مرجعاً لجميع السوريين تجيب عن استفساراتهم، كما غاب وجود مركز إحصاء رسمي له تسمية واضحة يُعتمد عليه، وينشر الأرقام الموثوقة عن تداعيات الكارثة، أو عن برامج إعادة التعافي والمساعدة، وكيف، وأين تُقدّم ولمن توزع. فقط لنا أن نذكر عن أن آلاف الملاحظات والشكاوى من قبل المتضررين عن اختفاء المساعدات القادمة إليهم لم تلقَ اذنا مصغية، لا من الجهات المسؤولة ولا من القائمين على التوزيع، رغم أنه جرت الإشارة إليها من قبل العديد من الجهات الدولية. لا ننكر أن هناك جهوداً كبيرة بُذلت، لكنها جهود فردية أو جهود من بعض منظمات المجتمع المدني، لكنها جميعاً لم ترقَ إلى مستوى الحدث الجلل.

شكّل زلزال 6 شباط الماضي تجربة عملية لما يمكن أن يكون عليه البلد في أثناء الكوارث، وكشف بشكل غير مسبوق ضعف استجابة المؤسسات المدنية فيه، ودور المسؤولين وكفاءتهم، الذين يُفترض أنهم وصلوا إلى مراكزهم بعد انتخابات وضع الناخب ثقته بهم. وأيقن المواطنون بعد هذه الكارثة، أكثر من أي وقت مضى، أن أشياء كثيرة لا علاقة لها بالمجتمع الدولي ولا بقانون قيصر ولا بالزلزال نفسه، وإنما مرتبطة بالإرادة، وقيمة الشخص الموكل له المنصب. والتساؤل: أين هي المسؤولية تجاه المواطنين المنكوبين؟ وما معناها إذا هي غابت حتى في وقت الكوارث؟ لكن التسويف كما يقول دون ماركيز هو (ذلك الشيء الماكر الذي يجعلك تظل كما كنت بالأمس). والتسويف باقٍ، ولا يبدو في الأفق من تغيير على هذا النهج لو اجتمعت جميع الكوارث، دون تغيير في النظرة إلى قيمة الإنسان في هذه البلاد وكرامته.

+++++++++++++++

  • غاب وجود مركز إحصاء رسمي له تسمية واضحة يُعتمد عليه، وينشر الأرقام الموثوقة عن تداعيات الكارثة، أو عن برامج إعادة التعافي والمساعدة، وكيف، وأين تُقدّم ولمن توزع
  • خلال الأيام التالية للكارثة غاب الممثلون الرسميون من أعضاء مجلس الشعب أو الوزراء.. ومعظمهم تحاشى مقابلة المواطنين وجهاً لوجه
العدد 1105 - 01/5/2024