خيمة الأجداد بين ماضٍ أصيل وحاضرٍ ذليل

وعد حسون نصر:

كانت الخيمة زمن الأجداد دار الكرم، منزل الأصالة، شامخة وسط الصحراء تفوح منها رائحة الكرم، رمز الخير، سوق عكاظ بليل السمر، قصص البداوة بالنخوة وإغاثة الملهوف وحماية المظلوم. دليل تائهٍ وسط الكثبان الصفراء فهي غيث الماء وهي زاد الكرم ليعود التائه للحياة، وهي موطن عنترة والزير، هي ملهمة الشعراء فمنها نبع الشعر، ومنها خرجت الفتوحات. لمن لا يعي الخيمة عند العرب هي رمز حياة لشعب جبّار اختار الصحراء وطناً وجعل من النجوم تقويماً، ومن الحكمة دروساً لفهم الحياة، فقد اتسم أهلها بأجمل الصفات. أما الآن فخيمتنا صارت رمز الذل ووطن القهر، بيت كل تائه شرّدته فتنة وحروب وكبّله الخذلان، هي عنوان القهر لتائهٍ وسط ركام أحلامه المهزومة، لم تعد تفوح منها إلاّ رائحة الجوع المغمّس بخبز الإعانات  والطعام المُنكه بالإهانات، أطفالها يتفادى الجميع مسّهم وكأنهم ناقلٌ للوباء، نساؤها عرضةً للتحرّش من سفهاء ظنّوا أن لقمة الخبز ثمنها عرض النساء، شيّابها لم تعد تنطق أفواههم  بالحكمة، بل باتت تصدح بأنين البرد القارس وآلام المرض وآهات الذكريات لمنازل العزِّ وفراش الدفء وموقد السمر في ليالي الشتاء، حتى لون الخيمة تغيّر مع الزمن، كان من قماش سميك تنسجه النساء من صوف وشعر المواشي مع أهازيج وفرح لصنع وطن، الآن باتت بيضاء بختم أزرق من مشمّع سميك يطقطق مع الريح ليذكّر قاطنها بطعم الذل فهو مواطن بلا وطن، يخشى أن تشتدَّ الرياح ويعود تائهاً من جديد يبحث عن سكن.

والآن وبعد الزلازل باتت الخيمة حلماً لمن تذمّر وتكبّر، باتت الآن أكثر الأماكن أماناً أمام المحن، لم تعد المنازل العالية رمز الثراء في هذا الزمن، ولا البيوت في الطوابق الأولى تبشّر بالأمان، فقد بات قاطنها يتمنى أن يجد في العراء خيمة تحتضن ذعره من غضب الطبيعة، فلعلَّ المحن وحّدت طبقات الشعب في الخيم، ولعلَّ الخوف زال عن العيون ولو لبضع ثوانٍ كبرياء الثراء، وجعل عيون الجميع تتجه نحو الخيم. ربما هذه النظرة قد تشكّلت نتيجة المفهوم القديم المرتبط بحياة أهل الخيم، فهم يبحثون عن الأمان ينتقلون بمنازلهم يقيمون بجانب الغدران في الواحات، من هنا كانت الخيمة رمزاً لعدم الاستقرار، فأينما وجد الأمان تُنصب الخيام.

لعلَّ عناوين كثيرة رُسِمَتْ على جدران هذا السكن البسيط، يوماً ما كانت محكمة الحق لنصرة المظلوم، ودار الشعر لشاعر مُغرم، وبيت مقاتل عربي أصيل بشماخ البداوة رمز الفارس، أما الآن فقد تغيّرت بعض المفاهيم وباتت الخيم موطن الذلّ لمتشرّد غرّرت به الحروب، وطحنت عزيمته المحن، واليوم هي مكان آمن لهارب من الزلزال وغضب الطبيعة وطالب النسك من الرب لعلّه يعفو عنه عقاب الموت بين شقوق الأرض تحت سقف كان يتفاخر به أمام أهل الخيم،  لكن عدالة الرب أقوى عندما جعلت الجميع يحلم بوتد وسط العراء، فكم من خيمة اليوم جمعت الجلاد مع المجلود بقوة طبيعة هوجاء زلزلت الأرض لتقول جميعكم عند غضبي سواسية، ثري وفقير مشرّد ولاجئ من الذين بات حلمهم خيمة في العراء.

العدد 1105 - 01/5/2024